كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
في مؤتمره الصحافي حدد رئيس “التيار الوطني” جبران باسيل الأزمات في ملف الحدود البحرية كما في القضاء والانهيار المالي كذلك في العقبات التي تعترض تشكيل الحكومة، ورفع سقف مواجهته مع “القوات اللبنانية” بشكل فاق المتوقّع. أسبوع بأيامه كاملة أمضاها باسيل يعد نقاط مؤتمره، خرج يعلن مواقفه وهو العارف ضمناً ان أيّاً كان فحوى حديثه فالحملة ضده وكيل الاتهامات لن يتوقفا. لم يعد باسيل يحصي خصومه. في الاساس اعتاد ان يطلق مواقفه ويسير باتجاه تحقيق أهدافه رغم تشظي العهد ورئيسه من مواقفه وتعاطيه، وإحراجه حليفه الأقرب اي “حزب الله”.
في موضوع الحدود رسم باسيل خطاً جديداً ما بين الخط 23 والخط 29 للتفاوض حوله. طرح فكرة تعديل فريق التفاوض وتشكيل لجنة من السياسيين وهو أمر سبق ان لاقى اعتراضاً من الثنائي الشيعي، ورغم ذلك يعتبر رئيس “التيار” ان الأمر لا بد ان يخضع لنقاش ومقاربة جديدين. ما قاله رأي شخصي قد لا يوافق عليه الآخرون وبينهم رئيس الجمهورية وهو طرح مرهون بتشكيل حكومة. ظهر باسيل كمن يسلّف موقفاً للأميركيين على خلفية مرسوم الحدود، بعد ان غادر موفدهم ديفيد هيل مرتاحاً من قصر بعبدا على اثر اللقاء الذي جمعه برئيس الجمهورية وقد سمع التزاماً بعدم التوقيع على المرسوم.
قلب باسيل الطاولة في وجه كل من عمل على اعداد المرسوم ووقع عليه وفي مقدمهم الوفد العسكري المفاوض الذي كان حتى آخر لحظة معوّلاً على توقيع عون، وعلى ان لا مشكلة مع الاميركيين بتعديل المرسوم، بل انهم سيضطرون للرضوخ الى الاجماع اللبناني وإجبار اسرائيل على العودة الى طاولة المفاوضات ووقف عملية التنقيب في كاريش. لكن التوقعات شيء والوقائع شيء بدليل ان هيل نصح لبنان بعدم توقيع المرسوم الذي من شأنه ان يعقّد المفاوضات مع اسرائيل وينسفها من أساسها، والمسألة الاضافية ان الاميركيين لم يكونوا ممتنين من الوزراء الذين وقعوا على تعديل المرسوم، لا سيما بعدما نالوا وعداً بعدم التوقيع وسبق للسفيرة الاميركية دوروثي شيا ان أبلغت رفض ادارة بلادها لأي تعديل على الحدود، التي على اساسها بوشرت المفاوضات غير المباشرة مع اسرائيل. تنفي مصادر مقربة ان يكون باسيل قد سلف الاميركيين وانما سلف لبنان بعد ان وصلت المفاوضات الى طريق مسدود، ورفضت اسرائيل استكمالها بسبب طرح الخط 29 الجديد، مذكرة ان العقوبات بحقه وقعت لتحالفه مع “حزب الله” وبسبب خياراته السياسية على المستوى الاقليمي، وهو سلّف الايراني ورقة في مفاوضاته بوجه الاميركيين. وصار جلياً ان ثمة انتقاداً لتصرف الفريق العسكري التابع للجيش والموكل ملف التفاوض الذي نعى باسيل دوره، مبيناً عدم صوابية طرحهم واستعجالهم بفضحه على طاولة المفاوضات، وأن السير به سيتسبب بأزمة ويورط لبنان بحرب تشنها اسرائيل. لكن يبقى السؤال هل وضع باسيل حليفه “حزب الله” في اجواء طرحه المستجد؟ بالمنطق لا بد ان “حزب الله” على علم بخطوة باسيل ولا شك انه لن يكون منزعجاً من طرحه، ومن قال في الاساس ان “حزب الله” يؤيد الخط 29 وتوريطه بحرب ضد اسرائيل؟
في الموضوع الحكومي كسر باسيل الجرة نهائياً مع الحريري، اتهمه عملياً بـ”الكذب” لكونه لا يريد تشكيل حكومة محتفظاً بصفة الرئيس المكلف، في اشارة منه الى علة الدستور تجاه التكليف منبهاً الى ان الامور تسير بالاتجاه الصعب. أظهر كلام رئيس “التيار” كم ان الحلول مستعصية حكومياً وعلى مستوى المحاسبة والمساءلة واتساع الهوة مع القضاء. كباش باسيل الحريري هو السبب الحقيقي للأزمة وقد بات عصيّاً على الحل. وهو الاستنتاج الذي انتهى اليه هيل في تقريره الذي أعده على خلفية زيارته الاخيرة للبنان. قال ديفيد هيل ما فحواه ان لبنان بلد على شفير الانهيار وتلزمه عملية إنقاذ، مفصلاً ان مسألة تشكيل الحكومة وصلت الى حائط مسدود ويلزمها الكثير من العمل على الفريقين الاساسيين، اي رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وذكر أن سعد الحريري ابلغه بأن الفريق الآخر لا يريد اطلاق يده في تشكيل الحكومة. سجل ملاحظاته ومضى في سبيله من دون ان ينسى ان يلحظ في تقريره الحديث عن الشق المالي، بناء على فحوى اجتماعه مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورؤيته للحل، وموضوع الجيش اللبناني والقوى الامنية التي تفتقد الكثير من الاحتياجات.
الى ان نكون امام حدث جديد سيستمر كلام باسيل عرضة للاخذ والرد. قال ما قاله مشخصاً الاوضاع من وجهة نظره ليبنى على خلفيات ما قاله سؤال قد لا يكون مستبعداً، هل يمكن ان يستقيل باسيل وتكتله النيابي من البرلمان في محاولة لخلق أمر واقع جديد؟ الجواب الايجابي صار ممكناً تنهي المصادر مستغربة لماذا يؤخذ على باسيل كلامه ولا يؤخذ على الحريري تمسكه بمواقفه وإصراره عليها؟