كتب حليم شقير في “اللواء”:
ما يجري في وزارة الشؤون الاجتماعية يطرح على بساط البحث حقيقة وضع هذه الوزارة التي من المفروض أن يكون دورها في خط الدفاع الأول عن ثلثي الشعب اللبناني الذين تدحرجوا من الطبقة الوسطى إلى ما دون خط الفقر، إضافة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، والأكثر تأثراً بتداعيات جائحة كورونا، وسائر الفئات الضعيفة الأخرى مثل كبار السن والأيتام والأطفال، الذين هم على خلاف مع القانون ونزلاء السجون والعائلات التي تعيلها النساء.
أما الواقع المرير فيشير إلى أن الوزارة باتت عاجزة عن أداء دورها الطليعي، وتكاد تستسلم أمام ضخامة الحاجة بسبب الضائقة الخانقة التي يشهدها لبنان وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر.
ولكن لماذا وصلنا إلى هذا الحدّ من العجز الموصوف؟.. هناك عدد لا يستهان به من المراسيم التي قبلت هبات مالية لصالح وزارة الشؤون الاجتماعية وعدد من المشاريع الممولة من الدول المانحة للمساهمة في أعباء النزوح السوري إلى لبنان، ولم تنشر الوزارة يوماً على موقعها
الإلكتروني كيف وعلى أي مشاريع صُرفت، ولا أبواب الصرف التي على ما يبدو استفاد محظيون من أرقام هائلة بالعملات الأجنبية مقابل عقود استشارية وإجارة خدمة ومسمّيات مختلفة استهلكت معظم تلك الهبات، ولا ندري ما هو موقف الجهات الرقابية مثل ديوان المحاسبة الذي يفترض أن يسهر على صحة هذا الإنفاق وملاءمته لمبدأ تخصيص كل هبة وعلى شفافية التلزيمات والصفقات
التي تمت لكننا لم نسمع منه شيئاً حتى الآن سوى انه قرّر ذات يوم تصفية مشاريع منبثقة عن وزارة الشؤون الاجتماعية، أي انه أمر بتشريد مستخدمين في ملاكات رسمية خاضعين لسلاسل أجور حسب القانون، ولم يعترض يوماً على التوظيفات المقنّعة تحت مسميات إجارة الخدمة التي باتت مرادفاً للتنفيعات السياسية، فتورّمت مشاريع الوزارة بالمنتفعين حتى باتت موازناتها تكاد تكفي دفع الرواتب والأجور مع تخصيص مبالغ ضئيلة لإنفاقها على الأوضاع الاجتماعية التي لا تصنع فرقاً ولا تداوي جرحاً ولا تغيث فقيراً أو مهمشاً.
وبالبحث في مواضيع وزارة الشؤون تبيّن من ديوان المحاسبة انه عاد ووافق على طلب وزير الشؤون الاجتماعية الحالي رمزي المشرفية تنفيذ خطته الإصلاحية بدمج المشاريع المنبثقة وتقليص عددها وعدم صرف أي من العاملين فيها والاستفادة من خبراتهم في المشاريع الدامجة وهذه خطوة إيجابية من الوزير ومن ديوان المحاسبة لأنها تحفظ حقوق الذين دخلوا العمل وفقاً لنصوص القانون.
أما موضوع العاملين في برنامج استهداف الأسر الفقيرة فهو مختلف عن دمج المشاريع لأن هؤلاء يعملون بموجب إجارة خدمة دون أي امتحان أو اختبار بل اختارت معظمهم مرجعيات وفاعليات دون النظر إلى شهاداتهم أو قدراتهم ومن بينهم أشخاص لا يحملون إجازة جامعية وبعضهم لا يحمل أي شهادة أخرى.
في هذا المجال أوضح المستشار السابق للسياسات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية د. بشير عصمت أنّ برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً لحظ عند نشوئه حاجته إلى 180 عاملاً اجتماعياً على أن يصل هذا العدد إلى 300 خلال السنة الأولى لكن بعد سبع سنوات من اطلاق البرنامج أصبح عدد العمال الاجتماعيين فيه 725 شخصاً وأكد انه لا يمكن القول إن تعيينهم لم يخضع للواسطة، وان أي تعيينات جديدة لم تحصل خلال تولي الوزراء بيار بو عاصي وريشار قيومجيان ورمزي مشرفية، وان ديوان المحاسبة طلب تقليص عدد العاملين في البرنامج من فئة إجارة الخدمة تحت طائلة عدم صرف رواتبهم فتم سابقاً إعفاء 200 شخص ممن لا يحظون بالواسطة «لدى سعادة الموظف الكبير».
والمذهل أكثر ان الدكتور عصمت قال بأنّ برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً قد فقد هبة البنك الدولي بقيمة 2.5 مليون دولار بفعل تصرف «الموظّف الكبير» بتدبيج برنامج حماية اجتماعية خرج مسخاً غير قابل الحياة. ويرى الدكتور عصمت أنّه بدل أن يحرّض «الموظف الكبير» العاملين في برنامج الفقر ويكتب لهم بيانات، كان بإمكانه أن يجد لهم حلولاً أخرى.
النيابات العامة كلها، التفتيش المركزي، ديوان المحاسبة، رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير الشؤون الاجتماعية مطالبون على الفور باعتبار هذا الكلام الواضح بمثابة إخبار للتعامل معه قضائياً وإجراء جردة بالمبالغ والهبات التي أنفقتها الوزارة خلال خمس سنوات وبيان تعويضات المحظيين من أموال الهبات بالعملات الأجنبية فيصبح عند الأسر الأكثر فقراً الجواب الواضح على أسباب عدم مد يد العون اليهم.. ومن له أذنان سامعتان فليسمع …