IMLebanon

العقوبات ومفاعيلها… “شد الخناق لم يبدأ بعد”

كتبت باولا عطية في “نداء الوطن”:

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمال فرض عقوبات أوروبية على بعض المسؤولين اللبنانيين، بذريعة التعطيل وعرقلة تشكيل الحكومة اللبنانية، ترافق مع تذكير بسلسلة العقوبات الاميركية المفروضة على أفراد وأحزاب لبنانية. وبعيداً من كل ما حمله هذا الخبر من تحليلات حول مدى جدية هذه الخطوة ومدى عملية آلية فرضها، يبقى من المجدي توضيح ماهية العقوبات وأسبابها وما انعكاساتها على الوضع اللبناني الاقتصادي والسياسي.

ما هي العقوبات؟

تستخدم الدول أو المنظمات والهيئات الدولية، العقوبات كأداة ضغط تمارسها على دولة معينة بهدف تقديم تنازلات ذات طبيعة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية. حيث أن الوسائل المستعمَلة هي وسائل اقتصادية ومالية قد تظهر على شكل مقاطعة: وهي رفض استيراد منتَج بعينه مصدره البلد المستهدف، أو حظر على هيئة تعليق تصدير منتج تجاري بعينه إلى هذا البلد، أو من خلال إيقاف القروض والاستثمارات أو تجميد الحسابات المالية في الخارج ومنع أي تعاون أو تداول مالي مع مؤسسة معينة أو أفراد، لكن يبقى الرهان والمرمى في النتيجة سياسيين.

تاريخ العقوبات على لبنان

تنضوي عادة العقوبات الأميركية تحت قوانين ترتبط بمكافحة الإرهاب والفساد وتبييض الأموال وبحقوق الإنسان وحقوق الشعوب بتقرير مصيرها وبالحريات، ومن أبرز هذه القوانين نذكر قانون قيصر الذي فرضت بموجبه عقوبات على الرئيس السوري بشار الأسد وبعض أفراد النظام السوري ومؤسساته وكياناته وكل من يتعامل معهم، وقانون ماغنيتسكي والذي فرضت بموجبه عقوبات على رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل والوزيرين السابقين يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل بتهم الفساد والتعامل مع “حزب الله”. هذا وتحظر كل من: الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وألمانيا وهولندا وهندوراس وباراغواي والأرجنتين وكوسوفو، وسلوفينيا ولاتفيا أنشطة “حزب الله” بالكامل بعدما صنّفته منظمة إرهابية، فيما فرضت ليتوانيا وإستونيا قيوداً قوية على دخول عناصر الحزب أراضيها كما صنّفت معظم الدول الأوروبية فقط الجناح العسكري لـ”حزب الله” منظمة إرهابية، باعتبارها أن جناحه السياسي جزء لا يتجزأ من المشهد السياسي اللبناني. كما هددت السعودية ودول الخليج بوضع عقوبات على لبنان شبيهة بالتي وضعت على قطر.

ما الفرق بين العقوبات الفرنسية والأميركية؟

يعود تاريخ العقوبات الأميركية على الحزب لأكثر من 30 عاماً مع بدء الخلاف بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. بينما التهديد بعقوبات فرنسية على مسؤولين لبنانيين يعد سابقة تاريخية حيث لم تقدم فرنسا يوماً على خطوة مماثلة بحق لبنان أو أي فرد أو مسؤول لبناني. وتنضوي العقوبات الفرنسية تحت إطار عقوبات مفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي ما يستوجب موافقة 27 بلداً، وهو ما لا يراه البعض واقعياً وقابلاً للتنفيذ. وفي مقارنة بسيطة بين العقوبات الأميركية والفرنسية نجد أن الأولى أكثر صرامة وحديّة، خصوصاً أن عملتها هي عملة التداول الأولى في جميع المعاملات المالية والمصرفية حول العالم، ما يجعل تأثيرها أقوى كما أن لها مرجعية متخصصة في هذا الشأن وهي وزارة الخزانة الأميركية ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية “أوفك”، وهو ما تفتقده فرنسا، ما يضع كل ما صدر من تلويح حول عقوبات فرنسية في إطار التكهنات أو التوقعات، خصوصاً أن الحجة التي تستخدمها فرنسا لفرض العقوبات، وهي تهمة عرقلة تشكيل الحكومة، ليست كافية أو ذات وزن، وهي تختلف طبعاً عن تلك المفروضة على سوريا وليبيا.

هل تؤثر العقوبات المفروضة على الأفراد على الاقتصاد اللبناني؟

يوضح مستشار اتحاد المصارف العربية بهيج الخطيب في حديث لـ “نداء الوطن” أنّ “الجِهَة المستهدفة بالعقوبات تحرم من استخدام القنوات المصرفية في تعاملاتها المالية، وقد يتم تجميد أو إقفال حساب الشخص المدرج اسمه على لائحة العقوبات، وتجميد أملاكه في لبنان وخارجه. فبالرغم من أن هذه القوانين أميركية، إلا أنّ ما تفرضه أميركا في هذا الشأن يُفرض على دول العالم أيضاً، وفي حال امتنعت أي دولة في العالم عن تطبيق القانون، تضع الولايات المتحدة الأميركية عقوبات على المصارف في تلك الدولة، كما تؤدي العقوبات إلى امتناع عدد كبير من الجهات الدولية عن التعامل مع الدولة أو الشخص المفروضة عليه العقوبات بهدف تجنب المخاطر، كما يضيّق الخناق على تعاملاتهم التجارية وتحركاتهم”.

من جِهَة أخرى يلفت الخطيب إلى أنّ “تأثير العقوبات ليس بالحجم المضخّم الذي يتحدّث الإعلام عنه، حيث تجد كل جهة تطالها العقوبات إن كانت مؤسسات أو كيانات أو أفراداً طرقاً للتهرب من العقوبات، حيث يتجهون إلى استبدال التعامل المصرفي بالتعامل الكاش عبر قنوات غير رسمية، أو من خلال اللجوء إلى أشخاص خارج إطار الشبهة. كما تقاوم بعض الدول العقوبات بتأمين اكتفاء اقتصادي على جميع الأصعدة، إن على الصعيد الزراعي أو الصناعي أوالتجاري وهي حال سوريا وإيران والعراق”. ويؤكّد أنّ “مفاعيل العقوبات على الأفراد وتداعياتها محدودة، ولا تؤثر على الاقتصاد اللبناني، إلا أنها قد تنعكس على الدولة في حال كان الأفراد المستهدفون شركاء في الدولة أو يسيطرون عليها، ما قد يدفع الجهات الفارضة للعقوبات إلى توسيع نطاق عقوباتها ليشمل مؤسسات الدولة، كما أن تراكم العقوبات قد يؤدي إلى إحجام الاستثمار والتحويلات إلى بلد ما”.

في الختام تبقى مسألة العقوبات على لبنان ومفاعيلها مرهونة بسياسات الدول الخارجية ومصالحها السياسية ومطامعها الاقتصادية في المنطقة، وهو ما يبرر المرونة التي يتعاطى بها كل من الأميركيين والفرنسيين في عقوباتهم التي لا تزال محصورة بافراد ولم تطاول الدولة ومؤسساتها بعد. بالرغم من امتلاك اي من البلدين الذرائع الكافية لشد الخناق على لبنان، إلا ان هذه المرونة في التعامل لا تبرر لامبالاة المعنيين بل تتطلب منهم خطوات جدية باتجاه البدء بالاصلاحات المطلوبة والدفع باتجاه بناء اقتصاد جديد يستند الى رؤية وخطط عملية للنهوض بالدولة من جديد، وتحصينها من أي حصار اقتصادي مستقبليّ.