كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
لا يكفي المواطن معاناته مع فيروس كورونا، حتى تضاف إليها مشكلة جديدة تتمثل بنفاد كميات لقاح “أسترازينيكا” فجأة. آلاف المواعيد المدرجة على المنصة لأخذ اللقاح في الأسبوع الأخير من هذا الشهر، ألغيت مطلع هذا الأسبوع إلى أجل غير مسمى. فحضر الراغبون بالتلقيح إلى المراكز، ولم يحضر اللقاح.
تلقى عدد كبير من اللبنانيين صباح أمس، بعضهم كان في طريقه إلى مراكز التلقيح، رسالة تفيدهم بتأجيل موعد تلقيحهم. فـ”نتيجة تأخر تسليم الكميات الموعودة من الوكيل المورد للقاح “أسترازينيكا”، وبسبب نفاد معظم الكميات المستلمة من الدفعة الأولى، يعتذر المستشفى عن استقبال المواطنين الكرام من تاريخ 26 نيسان ولموعد يحدد لاحقاً”. الرسالة التي استتبعت بشكر وزارة الصحة المواطنين على تفهمهم وتعاونهم، طرحت أكثر من سؤال عن مصير اللقاحات!
إحتمال التهريب وارد
بالأرقام أفادت منظمة الصحة العالمية عن تلقي لبنان 33600 جرعة من لقاح “أسترازينيكا” من خلال منصة “كوفاكس” في 24 آذار الماضي. هذه الكمية من اللقاحات بدأ استخدامها بعد أسبوع من وصولها، أي في الأول من نيسان. وقد خصصت للفئة العمرية بين 55 و64 عاماً وللأشخاص المعنيين بتسيير خدمات القطاع العام والإعلاميين، إضافة إلى ذوي الإحتياجات الخاصة والعاملين في دور الرعاية المخصصة لهم، وفي مأوى العجزة، والسجون، والأشخاص من الفئة العمرية 16 – 54 عاماً الذين يعانون من أمراض مزمنة. إستخدام كامل اللقاحات يفترض تلقي نحو 1344 شخصاً اللقاح يومياً على مدار 25 يوماً. ذلك لأن الكمية مخصصة كلها للجرعة الأولى. وفي حال أُثبت العكس في التقارير الإحصائية، المفروض أن يعلنها التفتيش المركزي قريباً، فيكون قد جرى تهريب اللقاحات على غرار بقية السلع والمنتجات.
الدفعة الثانية لم تصل بعد
تعويل المعنيين كان على وصول الدفعة الثانية (130 ألف جرعة) في بداية شهر نيسان، لتغطية النقص والإستمرار في حملة التلقيح من دون توقف. وهذا ما لم يحصل لأسباب تقنية كما يبدو. فـ”شركة “أسترازينيكا” تعاني من مشكلة توريد على مستوى العالم أجمع. وهي تفتقد إلى حسن التنظيم، وعجزها عن إيصال شحناتها في الوقت المحدد”، يقول عضو لجنة “كورونا” نبيل رزق الله. و”مما زاد من تأخير وصول الشحنات إقفال معامل التصنيع في الهند، وتوقف تصدير اللقاحات خارجها. وهذا ما أثر على سلاسل التوريد في كل العالم بسبب تواجد المعامل الكبيرة لتصنيع هذا اللقاح في الهند”. وبحسب رزق الله فان “التعامل مع “أسترازينيكا” يختلف عن التعامل مع غيرها من الشركات العالمية، وتحديداً “فايزر” PFIZER. فشحنات الأخيرة مجدولة أسبوعياً كل يوم سبت لمدة شهرين، ولم نشهد طوال المدة الماضية أي خلل بشحنة، ولو بجرعة واحدة. في حين لا نعلم بالنسبة إلى “أسترازينيكا” الكمية التي من الممكن أن نتلقاها بعد أسبوع من اليوم. فلا إلتزام بالكميات التي تأتي عبر منصة “كوفاكس” ولا وضوح ولا تنسيق. كل ما نعرفه أنه يصلنا بريداً إلكترونياً بموعد التسليم مع إمكانية تأخير أسبوع. من هنا لا نستطيع التحديد على وجه الدقة إن كانت ستصل الشحنة بعد أسبوع أو أسبوعين”.
تغيير المواعيد
هذا الواقع لم يمنع المسؤولين عن تعديل المواعيد لتلقي اللقاح على المنصة. وعلى الرغم من علمهم بامكانية عدم وصول الشحنة الجديدة في وقتها، لم يُعلموا المُلقحين إلا في اللحظة الأخيرة. هذه السياسة التي أثارت استياء الأشخاص الواردة أسماؤهم لأخذ اللقاح، وتحديداً البارحة، يبررها رزق الله بمعاملة الجميع بنفس الطريقة، وعدم التمييز بين من سيتلقون لقاح “أسترازينيكا” عن بقية اللقاحات. وعدم الرغبة بحصر مواعيدهم بثلاثة أو أربعة أيام فقط. فـ”نحن نعطي المواعيد وكأن اللقاحات موجودة. وفي حال لم تتوفر نتصرف على أساسها، وذلك لكي لا نبقي المواطنين مشدودي الأعصاب ونحشرهم بعدد قليل من الأيام”.
العقد مع الوزارة مباشرة
“موعد تلقي الشحنة المقبلة من لقاح “أسترازينيكا” لم يحدد بعد، لكن من المفترض أن تتوفر المعلومات خلال هذا الأسبوع”، بحسب نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة. وعلى عكس ما يعتقد الكثيرون فان دور الوكيل المُمَثل بشركة “أومنيفارم”، هو تسهيلي ولوجستي، فقط لا غير. فعقد استيراد لقاحات “أسترازينيكا” موقع بشكل مباشر بين الوزارة والشركة. وعندما تصل شحنة اللقاحات تستلمها “الوزارة” في المطار مباشرة وتذهب الشحنة إلى مخازنها”.
سير العملية… بطيء
في جميع الحالات يأتي هذا التأخير ليشكل نكسة لسير عملية التلقيح، التي شهدت في الأسابيع الثلاثة الأخيرة تقدماً ملموساً وتحسناً لجهة التنظيم. ذلك مع العلم أن نسبة التلقيح لا تزال منخفضة جداً، وهي “لم تتجاوز 6.5 في المئة من المعدل المطلوب للوصول إلى المناعة المجتمعية”، بحسب أستاذ السياسات والتخطيط، والمؤسس والمشرف على “مرصد الأزمة” في الجامعة الأميركية في بيروت د. ناصر ياسين. فـ”نسبة الذين تلقوا اللقاح على جرعتين بلغت 3 في المئة، بينما لم تتجاوز نسبة الذين حصلوا على الجرعة الأولى 5.7 في المئة”. وعلى الرغم من هذه النسبة المتدنية فان “التلقيح خفض أعداد الوفيات والمعرّضين للفيروس للفئة العمرية التي تتخطى الـ 75 عاماً. فانخفضت الحالات في العناية المركزة من حدود 900 إلى 670 حالة. ما يعني أن مفاعيل التلقيح إيجابية”. إلا أن هذه الإيجابية المحدودة لا تسمح لنا أن “نرتاح على وضعنا”، بحسب ياسين. فـ”المشوار ما زال طويلاً، خصوصاً مع ارتفاع معدل الوفيات في الفئة العمرية التي تترواح بين 60 و70 عاماً”.
من هنا، فان التعويل كان على استقدام أكبر كمية ممكنة من لقاحات “أسترازينيكا” للتسريع في تلقيح الفئة العمرية التي تتجاوز الـ 60 سنة بشكل كامل، والإنتهاء من تلقيح جميع العاملين في مجال الخدمة الصحية، وبعض القطاعات. فالإستمرارية في التلقيح وعدم خلق صدمات سلبية يعتبران من أهم شروط نجاح العملية للوصول إلى المناعة المجتمعية في أسرع وقت ممكن. إلا أن ما جرى يؤخر الشفاء المجتمعي ويؤجل عودة النشاط الإقتصادي تدريجياً، خصوصاً ونحن على أبواب فصل الصيف الذي تنتظره القطاعات السياحية والخدماتية بشكل خاص.