كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
لم تمر دعوة نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي الجيش اللبناني لتسلم كل المؤسسات وإدارة السلطة في البلد، هكذا بدون تمعن أو توقف عند ابعاد ومرامي هذه الدعوة التي أصرّ عليها وكررها أكثر من مرّة في اطلالات إعلامية وسياسية، كان أبرزها من على منبر المجلس النيابي بكل ما يعنيه ذلك من مضامين سياسية.
ويكاد الموقف الوحيد الذي صدر عن المستشار الرئاسي سليم جريصاتي معترضاً ومنتقداً لهذه الدعوة، فيما يلاحظ بوضوح غياب ردود الفعل السياسية للكتل والقيادات السياسية الأساسية، ما طرح أكثر من تساؤل واستفسار عن أسباب الصمت وعدم الرد الذي التزمت به هذه القيادات وما إذا كان ذلك يعني رفضاً بلا إعلان أو صمتاً بما يوازي تأييداً غير معلن لمضمون الانتفاضة ضد ممارسات العهد وتصرفاته سياسياً على الأقل.
البعض ذهب إلى القول ان الفرزلي المخضرم سياسياً والعارف بالتوازنات ومراكز القوى، لم يكن ليطلق مثل هذه الدعوة لتسلم الجيش للسلطة، لو لم يكن هناك من دوافع يرتكز إليها وقوى السياسية يركن إليها، لئلا ينقلب عليه هذا الموقف رأساً على عقب ويدفع ثمنه من رصيده وموقعه السياسي وعلاقاته التحالفية مع القوى السياسية على اختلافها.
الكل يعرف ان مثل هذه الدعوة من الصعب تحقيقها في ظل خريطة توزيع سلاح القوى غير الشرعية وتحديداً «حزب الله» وادواته المزروعة على امتداد مناطق واسعة، وقد يكون الظرف الحالي غير مؤاتٍ لتسلم الجيش لمثل هذه المهمة التي يعترض عليها ويرفضها معظم القوى السياسية بلا استثناء تقريباً، برغم كل المؤشرات السلبية والاعتراضات على الممارسات والانتهاكات اللاقانونية واللادستورية لحزب الله والتهديدات الأمنية والمخاطر التي يتسبب بها للبنانيين من وقت لآخر وارتهانه للمخططات والمصالح الإيرانية على حساب المصلحة اللبنانية العليا.
ولكن الدعوة تحمل في طياتها مؤشرات ومضامين مثيرة، لا بدّ من اخذها بعين الاعتبار لأنها جديرة بالاهتمام والمتابعة وحتى التعاطف معها، باعتبارها تعبّر عن شكوى واستياء شرائح واسعة من اللبنانيين ولم يعد بالإمكان التغاضي عنها أو الوقوف بلا حراك تجاهها مهما كانت ردّات الفعل عليها.
فنائب رئيس المجلس النيابي كان من أوائل مؤيدي وصول رئيس الجمهورية ميشال عون إلى سدة الرئاسة وانتظم في التكتل العوني طوال السنوات الماضية، داعماً للعهد في سياساته، الا انه في الآونة الأخيرة لم يستطع السكوت عن التجاوزات والانتهاكات غير المبررة للدستور وتعطيل المؤسسات الدستورية وادارات الدولة جرّاء ممارسات وسياسات مصلحية وخاصة والتعطيل المتعمد لكل محاولات ووساطات تشكيل الحكومة الجديدة تحت عناوين هشة ومبررات ملتوية تختزن بطياتها إعادة تعويم وتعبيد الطريق امام صهر رئيس الجمهورية ليتوج كولي للعهد بعد انتهاء ولاية عون، حتى لو كان الثمن انهيار لبنان كلّه وتدفيع اللبنانيين ثمن هذه الانانية السياسية التي لم تعد تخفى على أحد لأنها تحصل على المكشوف بلا رادع أو ضمير.
كانت البداية، منذ أشهر عندما ميّز الفرزلي مواقفه عن مواقف «التيار العوني»، وانفرد بنمطٍ جديد يُحاكي الواقع بموضوعية ويعدو للتحسس بواقع البلد والأخذ بعين الاعتبار وانتهاج سياسة تعبّر عن توجهات النّاس وتعاطٍ سياسي مختلف عن آلية نهج التصادم والتعطيل الذي خسر عهد الرئيس ميشال عون أربع سنوات بلا جدوى، محذراً من التداعيات السلبية والمخاطر الناجمة عن الدوران في الحلقة المفرغة وتجاهل متطلبات المرحلة ومطالب النّاس المحقة والضرورية، ولكن كل دعواته بقيت بلا استجابة وكأنها لم تكن، حتى خرج من التكتل بلا إعلان ثم رفع الصوت عالياً وبنبرة مختلفة داعياً إلى تجاوز كل الحساسيات ومصوباً بشكل مباشر إلى السياسات الرعناء ومخططات الالغاء التي تتحكم بتصرفات الفريق الرئاسي على حساب العهد ومصالح اللبنانيين، إلى ان وصلت الأمور إلى حدها بالامعان بتعطيل وعرقلة تشكيل الحكومة الجديدة عمداً والاستهداف المنظم للمؤسسات وكان آخرها ما حصل على الصعيد القضائي، بحيث لم يكن بإمكان أي طرف سياسي حريص على الدولة الصمت أو تجاهل ما يحصل على كل الصعد.
ما يشكو منه نائب رئيس المجلس النيابي وينتفض ضده ويحذر من تداعياته، يتلاقى معه قيادات وسياسيون كثر، يحرصون على البلد ويدعون لوقف الانهيار الحاصل، ويحملون العهد وفريقه وفي مقدمتهم رئيس «التيار الوطني الحر» المسؤولية الأساسية فيما وصلت إليه الأوضاع، بعدما أوكل إليه رئيس الجمهورية مهماته وصلاحياته ولو بشكل غير معلن ولكنه معلوم للجميع ومنها مصادرة واحتجاز تشكيلة الحكومة التي قدمها الرئيس المكلف سعد الحريري لرئيس الجمهورية منذ أشهر، تنفيذاً للتهديدات والوعود التي أطلقها باسيل بعد تكليفه بتشكيل الحكومة مباشرة، لأن هذا التكليف لم يمرّ عبره وبرضاه ولان ما عرض عليه بشكل غير مباشر لا يلبي جموحه وطموحه للاستئثار والتحكم بالحكومة الجديدة.
الصمت السياسي بمجمله تعبير صريح عن تأييد انتفاضة الفرزلي وانقلابه على عهد ميشال عون، ومؤشر على أفول وانتهاء هذا العهد ودعوة صريحة للتنحي والمباشرة بالتحضيرات لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لوقف استنزاف الدولة وانهيار المؤسسات ووضع حدّ لمعاناة النّاس، والا لجوبهت دعوة الفرزلي بردود فعل «قاسية واتهامات لا تعد ولا تحصى».
قد يكون نائب رئيس المجلس النيابي أوّل القافزين من «تايتنك» العهد الغارقة، في حين أكثر من قيادي بالتيار قد انزوى حالياً بانتظار اللحظة المناسبة للقفز منها في القريب العاجل بعد ان مهد لذلك بمواقف وتصرفات معترضة ورافضة ضمناً وعلانية للعهد وفريقه.