كتب عمّار نعمة في “اللواء”:
لم تشكل السبت الماضي النبرة الخطابية العالية لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل مفاجأة على صعيد العلاقة المتدهورة مع اخصامه، مثلما لم تقدم الردود عليه سواء من قبل «تيار المستقبل» أو «القوات اللبنانية» أي جديد في المنحى الذي تتجه البلاد إليه.
ربما كان الهجوم الباسيلي والردود عليه مؤشرات لاشتداد في الأزمة قبل الانفراج، وهو ما تتقاطع على تحليله أوساط متابعة للعلاقة الجدلية بين باسيل والرئيس المكلف سعد الحريري. لكن كيفية الانفراج، والاهم، توقيته، ليسا معروفين في ظل السؤال الكبير حول ما ستحمله الأشهر الحالية الحبلى بالتطورات.
من الواضح أن باسيل ليس لديه ما يخسره. هو يخاصم الجميع. لا حليف وازنا له داخليا سوى «حزب الله» الذي لا يجاريه في كل ما يذهب إليه ويحاول مسك العصا من المنتصف بين الخليفة العونيّ وأخصامه وعلى رأسهم الرئيس نبيه بري كما الزعيم «المستقبلي»، ولا يبدو الحزب متحمسا لطرح باسيل حول تغيير شكل الوفد المفاوض حول الحدود البحرية وإضفاء التسييس عليه.
وفي الخارج لا يحاول رئيس «التيار الوطني الحر» جدياً إستمالة اللاعب الاميركي الذي خلف سلفه المتطرف حيال محور العهد و«حزب الله»، لكنه مرر له كرة حسن نية في طرحه ترؤس الوفد من قبل ممثل عن رئيس الجمهورية ميشال عون والذي جاء بعد عدم توقيع الأخير على تعديل المرسوم البحري لناحية المزيد من الحقوق اللبنانية في المياه.
والأمر سيّان لناحية السلبية بالنسبة الى الخارج الخليجي غير المحتفظ بالود له، بينما يبقى الموقف الاوروبي عاجزا عن تحقيق خرق ايجابي مع العهد من دون الضوء الأخضر الاميركي.. الذي لم يصدر حتى اللحظة.
ولذلك فلا نية لباسيل في تعبيد الطريق امام الحريري لتشكيل حكومته. هو كالغريق الذي لا يخشى البلل، يرفع التوتر نحو الأقصى لتحقيق اقصى المكاسب من الخصم. وهو ما يشير إليه متابعون للشأن الحكومي بأنه ينذر بالأسوأ مع انتظار السيناريو له فقط!
يعلم العهد تماما درجة الانحدار في شعبيته ومن سوء حظه ان انفجرت التراكمات كارثة في وجهه ولعل الشكل الابرز لذلك تمثل في انتفاضة 17 تشرين. وللمفارقة ان الحراك الشعبي المحق واجهه العهد بتصنيف تآمري عليه من دون التفريق بين حراك شعبي وآخر سياسي ضده. ولعل المفارقة هنا ان العهد لقي المصير نفسه مع تحركه تحت عنوان استعادة اموال المودعين، فتم تصنيف حركة أنصار العهد والتيار سريعا كونها مصلحية تهدف لاستعادة شعبية مفقودة.
لكن باسيل الذي يرفع بعض المطالب المحقة وعلى رأسها التدقيق الجنائي، يقع ضحية التصنيف نفسه بالنسبة الى الخصوم لناحية خياره «الشمشوني»: أنا الرئيس وإلا فليهدم الهيكل علينا جميعا! وبتصعيده شكلت مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري أول أهدافه في محاولة لإعادة خلط الأوراق.
هذا مع العلم أن الاخصام ليسوا بمنأى عن الحساب التاريخي عن ابتعادهم عن كونهم رجال دولة يقدمون التنازل السياسي والشخصي لمصلحة الوطن. فمن يدعو الى انتخابات مبكرة، او من ينتظر الانتخابات النيابية والرئاسية يتحين الفرصة للتغيير وهو قبل بتمديد سابق لمجلس نيابي مبتور بفعل قانون انتخابي عفا عليه الزمن. ومثله يريد باسيل تجنب الكأس المرة في هذين الاستحقاقين وسط أخبار واشاعات تملأ فضاء المتكهنين لناحية الخطة التي سيقدم عليها رئيس الجمهورية وباسيل في حال استمر الفراغ الحكومي حتى نهاية الولاية الرئاسية.
ولناحية الحريري فهو يبالغ في محاولة تهميش باسيل بينما لا يحتفظ بحليف مسيحي وازن في ظل علاقة مهزوزة ايضا مع زعيم «القوات اللبنانية» سمير جعجع. وهو وضع التكليف الحكومي في جيبه وشرع في التخطيط لما بعد تشكيله الحكومة بينما تتزايد الهوة مع رئيس الجمهورية ويعجز الدستور عن تقديم تفسير نهائي لجدل لا نهاية له حول آلية التشكيل!
ثمة من يقول إن قوة التدخل الدولي تكون بمقدار الاتفاق الداخلي بين الافرقاء المختلفين، فإذا كان التفاهم الداخلي قائما فإن هذا التدخل لا يكون مهيمنا، بينما يفرض هذا الخارج سيطرته مع ارتفاع الانقسام بين اللبنانيين.
وللأسف فإن هذا ما هو قائم اليوم. وبذلك لا يزال التجاذب الايراني من ناحية، والسعودي والاميركي من ناحية أخرى. ويقول من يدور في الفلك السعودي إن الرياض باتت تعتبر ان لبنان بان بمثابة الساقط سياسيا وعسكريا عند الايراني و«حزب الله»، وثمة مفاوضات صعبة برعاية عراقية على مستوى أمني وسياسي لكسب كل طرف للتنازلات في ملف الآخر. فالسعودية تهتم جدا بالموضوع اليمني وتراقب جيدا ما يحدث في فيينا بين طهران وواشنطن. وبينما تريد الخروج من الملف اليمني الذي تصرف عليه الكثير، فإن لها نفوذها في العراق ولبنان حيث ترى ان «حزب الله» وجمهوره يعيشان حصارا موجعا رغم المبادرات المعيشية التي يقوم بها الحزب، لذا فكل طرف يعلم تماما نقاط ضعف الاخر ويريد استثمارها في عملية عض للأصابع.
والحال أن لا أحد يملك تصورا لما ستؤول إليه الامور في المفاوضات القائمة، وان كان ثمة تصور بأن الولايات المتحدة ستقدم تنازلات كبيرة في المفاوضات بحكم الواقع امنيا وسياسيا في المنطقة، من دون تحقيق خرق كبير قريبا. ذلك لا ينفي ان تسوية كبرى في لبنان قد تحدث في وقت غير بعيد تؤدي الى تشكيل للحكومة واستجلاب للدعم الاقتصادي، ويشير متابعون للشأن الحكومي الى مأزومية تجمع كل الاطراف الداخلية التي تريد الخلاص، ولعل أكثر تلك الأطراف إلحاحا على التسوية هو العهد الذي يعيش العد العكسي لنهاية الولاية الرئاسية.
ولناحية «حزب الله» والحريري، ففي امكانهما الانتظار لإعادة انتاج تسوية تعيد ماضي التفاهم، لكن ما هو مؤسف يبقى ان لبنان هو الذي يدفع الثمن يوميا ويخشى ان تأتي التسوية بعد انتظار يشهد هزاً للإستقرار اللبناني وخاصة على الصعيد الاجتماعي.