كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن:
يتلقى أهالي زحلة والمقيمون فيها أخبار “اللحوم المدعومة” التي تصلهم بالتواتر من مختلف قرى البقاع، وكأنهم ليسوا معنيين بها. فسعر كيلو اللحمة في ملاحم المدينة على إرتفاع مطّرد. ما يعزز الإعتقاد بأن المدعوم لم يجد طريقه الى زحلة بعد. وإذا لم يرتفع صوت زحلي يسأل عن سبب غلائه الفاحش، ستبقى أولوية الوزراء المعنيين بـ “توظيف” اللحوم المدعومة في تلميع صورة مرجعياتها السياسية بمناطق قواعدها.
يتراوح سعر كيلو لحمة “العجل” بزحلة بين 65 الفاً و75 ألف ليرة. أما لحوم الغنم فقد إختفت من الملاحم كلياً. فإرتفاع سعر الكيلو منها بحسب اللحامين الى 150 ألفاً، إنعكس تراجعاً تلقائياً في كمية إستهلاكه، وبالتالي أصبح التعامل به في الملاحم مغامرة بالنسبة للحامين.
“نداء الوطن” حاولت البحث عن اللحمة المدعومة في زحلة. ولم تخرج سوى بتبريرات حول عدم توافرها، تفاوتت بين “لحام الحي”، “مزارع اللقيس” الذي يوفر فرعه في زحلة كميات لحوم كبيرة، وتجار اللحوم. وخلاصتها أن بيع اللحوم بالسعر الأقصى الذي حددته وزارة الإقتصاد، أي 45 ألف ليرة، غير متاح بزحلة، إلا إذا…
مع أن زحلة هي ثالث أكبر مدن لبنان عملياً، فإن طبيعتها التنظيمية التي تقسمها الى أحياء، تجعل روابط أهلها الإجتماعية أقرب الى العقلية القروية. إنطلاقاً من هذا الواقع، يصبح لحام الحي مصدر ثقة لجيرانه، كل واحد منهم الأفضل بنظرهم، فلا يستبدلون ملحمته بأخرى، ولا يأكلون إلا ما يوفره لهم، حتى لو كانوا بمعظم الأحيان غير عالمين بمصدر لحومه.
أما اللحام فيعرف تماماً طلبات زبائنه، وهي في ملاحم زحلة تجمع على أن الزبون الزحلاوي لا يحب الدهون في اللحمة، يفضلها بلدية، ولا يشتريها إلا “مشفاية”، كمية إستهلاكه لا تتبدل، وهي توازي في الملحمة الواحدة نصف عجل أسبوعياً.
إنطلاقاً من هذا الواقع يصبح اللحام ملزماً بنوعية محددة من العجول التي تؤمن أكبر كمية من لحمة “الهبرة”، الأمر الذي يؤكد لحامون أنه غير متوفر في اللحم المدعوم، حيث يفوق حجم العظام أحياناً كمية اللحمة التي يمكن إستخراجها منها، وبالتالي حتى لو توفر العجل المدعوم بالملحمة، لن يكون قادراً على بيعه بالسعر المحدد من قبل وزارة الإقتصاد.
في “مزارع اللقيس” هناك خياران للزبون إما لحم مدعوم بـ 45 الف ليرة أو غير مدعوم بـ 75 ألف ليرة. مع إمكانية لتوفر الغنم الذي يقول مدير المؤسسة فواز جعفر انه يربى بمزارعها.
لا يحتاج التمييز بين الكيلو المدعوم والآخر غير المدعوم الى خبرة كبيرة. فحمرة اللحمة باهتة في الاولى، وحرية “التنقاية” متروكة للزبون في الثانية.
ومع أن الطلب على المدعوم يزداد يومياً، يؤكد جعفر بأن الكميات المتوفرة في السوق لا تكفي لسد الحاجة، فحاجة الفروع الثلاثة بحسبه ثلاثة عجول يومياً، بينما المتوفر عجل كل ثلاثة أيام.
ولكن لدى احد أبرز تجار اللحوم في المدينة شرح آخر. بحسبه كل اللحوم التي تباع في سوق زحلة مدعومة. وخصوصاً في الأسبوع الاخير حيث تأمنت كميات وافرة لمختلف المناطق. ولو كانت غير مدعومة برأيه لما بيعت بأقل من 130 ألف ليرة للكيلو. إلا أن اللحام بزحلة وفقاً للتاجر لا يمكنه أن يبيع الكيلو بـ 45 ألف ليرة حتى لو كان مدعوماً، اولاً لكون السعر لم يعد منطقياً في ظل وصول سعر الدولار الى 12 ألف ليرة. ثانياً لأن الكميات المستهلكة في ملاحم زحلة توازي نصف عجل أسبوعياً، بينما هي تتفاوت بين عجل وثلاثة عجول يومياً في باقي مناطق البقاع، وهذا يجعل التاجر يفضل بيع سواه، بينما اللحام مجبر على رفع اسعاره لتأمين مصاريف ملحمته ومتطلبات معيشته. وثالثاً لأن الزبون الزحلي لا يشتري اللحمة سوى حمراء، أي أنه يرفض إضافة الدهون اليها وهذه تشكل خسارة بالنسبة للحام.
خلاصة الشروحات المقدمة أن أهالي زحلة لن ينعموا بسعر لحوم توازي السعر الذي بدأ يعتمد مؤخراً في مناطق بقاعية قريبة ومن ضمنها بعلبك. والنتيجة تراجع كبير في نسبة الإستهلاك يحددها اللحامون بـ 50 بالمئة، أما اللحمة الغنم التي تشكل المكون الاساسي للكبة النية واطباق الفتيلة والقصبة النية التي تسمى في زحلة “السودا” فيبدو أنها ستختفي لفترة عن موائد مدينة بنت شهرتها على أطباقها المميزة والغنية باللحوم.