كتب داني حداد في موقع mtv:
يحمل رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود إرث 26 سنة في القضاء على كتفَيه. لا تكمن الصعوبة هنا، بل في ما يحمله ويتحمّله من ملامح انهيار الدولة، وقد بلغت القضاء أيضاً.
يلتزم القاضي النزيه التباعد الاجتماعي في مكتبه في الطابق الرابع في قصر العدل في بيروت. يستخدم كمّامتين، ولكنّه يتخلّى عن القفازات في دردشةٍ أرادها، كما يبدو، “فشّة خلق” بعد حملةٍ استهدفته كما استهدفت قضاةً آخرين.
يقول إنّه اختير لمنصبه من دون أن يسعى إليه. ويقول إنّه التزم بما وعد رئيس الجمهوريّة به. استحقاق التشكيلات القضائيّة، المعطّل حتى اليوم، عطّل العلاقة بين الرئاسة الأولى والموقع القضائي الأوّل. غابت اللقاءات، ولم يُعطَ عبود لأشهرٍ موعداً في بعبدا، قبل أن يعود لزيارتها منذ فترة مع أعضاء المجلس.
عن عون ونجم
يتحدّث عبود باحترامٍ شديد عن رئيس الجمهوريّة، ولكنّه لا يخفي عتبه على كيفيّة التعاطي في ملف التشكيلات. “لا يملك الرئيس هنا صلاحيّة التدخل في التشكيلات لأنّه صاحب توقيع فقط. رئيس الحكومة يوقّع ووزير المال كذلك، ولا يملك أيّ منهما حقّ التدخل في التشكيلات التي أعدّها المجلس وكان سيتحمّل مسؤوليّة لو صدرت”.
عتب عبود أكبر على وزيرة العدل. يتحدّث هنا بحسرةٍ عمّا “كان يمكن أن نحقّقه مع الوزيرة الصديقة”.
ما قاله عن القاضية غادة عون…
لا يجالس الرئيس سهيل عبود أحداً في هذه الأيّام إلا ويسمع منه اسم القاضية غادة عون.
العلاقة بين القاضيين قديمة، منذ كانت عون تتردّد الى منزل والد عبود، القاضي أيضاً، لترافقه الى قصر العدل في طرابلس.
يذكر عبود عدداً من محاسن عون، قبل أن يعدّد بعض الملاحظات، بعد أن يصمت لثوانٍ، وكأنّه “يبقّ البحصة”.
لكنّ البحصة الأكبر في الجسد القضائي تنتظر انتهاء التحقيق الذي يجريه التفتيش، والمتوقع أن ينتهي في الأسبوع المقبل. يشدّد عبود على أنّه لا يتدخّل في عمل التفتيش ولا في القرار الذي يمكن أن يصدره مدعي عام التمييز، ولكنّ مجلس القضاء الأعلى يقوم بما يجب في هذا الصدد.
يقول عبود إنّ القاضية عون محقّة في ملاحقة الفساد ولكنّها لا تلتزم، من ناحية الشكل، بالمسار القانوني. ويضيف: “حتى ملاحقة الفساد له قواعد يجب أن تُحترم”.
لا يعلّق عبود على مسار هذه القضيّة، سواء كانت لصالح القاضية عون أم لا، متوقّعاً أن يُبتّ في الأمر “ربما بعد أسبوع أو أكثر بقليل لأنّ التفتيش يعمل بوتيرة سريعة”.
هل يستقيل؟
لدى الحديث عن المشهد القضائي، يرسم رئيس مجلس القضاء الأعلى صورتين: الأولى، ورديّة مع إنجازات تحقّقت في ملفاتٍ عدة مثل الأملاك البحريّة التي تؤمّن مدخولاً كبيراً للخزينة، والصرف الصحي، والبواخر، والضبّاط المتقاعدين وغيرها. أما الثانية فلا تخلو من خيبةٍ واصطدامٍ بالواقع الذي يمنع غالباً الإصلاح. ثمّ يضيف: “القضاء يُحمَّل أكثر ممّا يحتمل”.
ولعلّ الصورة الثانية هي التي دفعت القاضي سهيل عبود الى التفكير جديَاً بالاستقالة من منصبه، وهو خيار ما يزال مطروحاً، ولو أنّه يميل حاليّاً الى أن ينال شرف محاولة الإصلاح حتى اللحظة الأخيرة من ولايته.
ننهي الحوار (ننشر غداً فصلاً ثانياً منه) مع رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود بوعدٍ بلقاءٍ آخر في عين كفاع، مسقط الرأس والفكر والذكريات، في جلسة استراحة من الهموم الكثيرة التي تثقل كتفَي “القاضي الأول”. ثمّ نودّع، عند الباب، رجلاً شريفاً يرأس مجلس قضاء في بلدٍ بات أقرب ما يكون الى “العصفوريّة”.