Site icon IMLebanon

العتمة الكهربائية ليست قدرًا

كتب رودي إدوار بارودي في نداء الوطن:

يبدو أن تأمين المصلحة العامة ووقف إنهيار الوطن ومؤسساته، وحل مشاكل المواطن اللبناني وأزماته المالية والصحية والاجتماعية والاقتصادية لا مكان لها في أجندة الطبقة السياسية فهم في وادٍ والحلول في وادٍ آخر، اذ لا هم لهم في إصلاح القطاعات او المؤسسات التي تنهار الواحدة تلو الاخرى.

ولعل قطاع الكهرباء خير دليل على ذلك، فهذا القطاع المهم والذي تتأثر به كافة القطاعات الحيوية والاقتصادية من ماء واتصالات وانترنت يكاد يكون في أسفل اهتماماتهم متناسين ان معامل مؤسسة كهرباء لبنان لا تستطيع تلبية حاجات اللبنانيين وذلك لأسباب عدة، اهمها:

– غياب فكرة الدولة التي تحفظ حقوق اللبنانيين بعيداً من المنازعات والحسابات السياسية، ولعل عدم تطبيق القانون 462 الذي أقر في العام 2002 خير دليل على ذلك خصوصاً ان حجة ضرورة تعديله قبل تطبيقه لم تعد تنطلي على أحد، فتطوير القانون وإصلاح الشوائب فيه وإدخال ما غفل عنه النص الاساسي لمراعاة التطور الفني والتقني والاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المضمار، هو أمر أكثر من ضروري. إلا أن التعديلات المقترحة على القانون والتي يصر عليها أصحابها لا تهدف الى أي مما ذكر أعلاه، إنما تهدف الى تفريغ القانون من روحه والاساس الذي بنيت عليه مواده عن طريق إلغاء استقلالية الهيئة الناظمة وتهميش دورها وجعلها هيئة استشارية ملحقة بوزير الطاقة والمياه والاستمرار بوضع اليد على هذا القطاع، كما وضعت اليد على هيئة ادارة الموارد البترولية ولا يؤمل في القريب العاجل ايجاد حل لهذه المعضلة طالما انها تستغل من أجل اهداف سياسية بحتة. ولمن لا يعلم فان القانون 462 ينظم عمليات انتاج ونقل وتوزيع الطاقة كما يحدد طرق عملية اشراك القطاع الخاص في انتاج وتوزيع الكهرباء ويحدد مستقبل مؤسسة الكهرباء.

– السبب الثاني هو عدم بناء معامل انتاج جديدة منذ العام 1998 باستثناء مَعملين في الذوق والجية طاقتهما القصوى لا تتجاوز الـ 280 ميغاواط في حال مدّهما بالمشتقات النفطية المناسبة، وحالياً لا يتوفر لهما ولبقية المعامل القديمة سوى النزر اليسير الذي يمنعها من التوقف نهائياً بحيث تؤمن كهرباء لبنان ما لا يزيد عن ست ساعات تغذية من أصل 24 ساعة، اذا لم تكن هنالك اعطال على الشبكات والمحطات والمعامل والتي لا يتوفر المال لإصلاحها أصلاً.

أمام هذا الواقع المرير وخوفاً من انقطاع الكهرباء كلياً وبدل التفتيش عن حلول غير منتجة، أود أن الفت نظر المعنيين والمسؤولين في إدارة قطاع الطاقة والكهرباء إلى ان “الكنيسة القريبة تشفي” لا كما يقول المثل اللبناني الشائع اذ سبق للبنان ان اقر القانون رقم 509 الصادر في 16/7/2003 الذي أجاز إبرام اتفاقية بيع الغاز بين لبنان وسوريا والمرسوم رقم 15722 الصادر في 14/11/2005، الذي أبرم مذكرة التعاون بين وزارة الطاقة والمياه ووزارة الكهرباء والطاقة في جمهورية مصر العربية ما يسهل اللجوء اليهما لكي يستطيع لبنان ان يؤمن بعض حاجياته من الغاز الطبيعي ويساعد حكماً على تأمين كهرباء نظيفة وبأسعار مقبولة ويحقق وفراً وديمومة.

ولمن لا يدري فإن خط الغاز بين بانياس في سوريا وطرابلس قد تم بناؤه وضخت كمية من الغاز السوري فيه لصالح معمل دير عمار لانتاج الكهرباء، بعد أن تمّ تجهيز المعمل لينتج الكهرباء بواسطة الغاز الطبيعي وتم تشغيل إحدى مجموعاته لمدة تقارب الثمانية أشهر على هذا الاساس.

كما أن خط الغاز الذي ينطلق من مصر عبر الاردن وصل الى جنوب دمشق في سوريا ويمكن ضخ الغاز المصري فيه، ويمكن بالتالي اجراء عملية تبادل (سواب) بين الغاز المصري والغاز السوري لمصلحة محطة دير عمار على الأقل، وفي هذا الاطار فان مصر سبق ان عرضت على لبنان استجرار الغاز المصري من دون التوصل الى نتيجة. ومع ادراكي للموانع السياسية التي تعترض امكانية تفعيل الاتفاقيتين بين لبنان وكل من سوريا ومصر، لا سيما العقوبات المفروضة على سوريا إلا أنه يبقى بالامكان الحصول على استثناءات انسانية عبر تفعيل الاتصالات الخارجية مع دول القرار، كما حصل مع العراق الذي استطاع ان يؤمن استثناءات من العقوبات الاميركية المفروضة على إيران عبر مباحثات جدية قام بها الجانب العراقي مع الادارة الاميركية، مرتكزاً على اسباب تتعلق بالحقوق الانسانية ويعتبر هذا الامر من الضروريات في الوقت الراهن بعيداً من السياسات الداخلية الضيقة التي تمنع القيام بهذه الخطوة المهمة.

إذاً، هنالك حل عملي يؤمن الكهرباء، بدل قيام المسؤولين عن ادارة هذا القطاع بتكرار اللجوء الى سياسة الفشل وتحميل المواطنين مباشرة أو مداورة تكلفة فشلهم في الإدارة وتهديدهم بالعتمة الشاملة أو إجبارهم على الموافقة على تمويل العجز عن طريق اصدار قانون يجبر مصرف لبنان على الدفع من الاحتياطي الإلزامي المكون من أموال المودعين وبالتقسيط خوفاً من ردّة فعل الشعب وليس حرصاً عليه.

يضاف إلى ذلك، لجوء المسؤولين اللبنانيين الى استدراج عروض لتقديم تقديمات مؤخرة الدفع وبفوائد بسيطة من بعض الدول (كالعراق مثلاً)، ولكن بدون أي خطط واضحة وناجحة مما يجعل حتى “الشحادة” لصالح قطاع الكهرباء لا تؤدي الى النتيجة المتوخاة فاستعداد العراق لاعطاء لبنان بقايا المشتقات النفطية والتي لا تناسب المواصفات المطلوبة لصالح معامل انتاج الطاقة وتحتاج الى مصفاة لا يملكها لبنان لجعلها صالحة للاستعمال، أو مبادلتها مع فيول مطابق للمواصفات ودفع الفرق، لا يؤمن للبنان حلاً موقتاً قد لا يستطيع الاستفادة من هذا العرض لصعوبة تحقيقه.

ان تطبيق القانون 462 يحل الجزء المؤسساتي من المشكلة وهو مطلب اصلاحي تنادي به الورقة الفرنسية كما البنك الدولي.

ولا بد أن يترافق هذا السعي مع إقفال القعر المفتوح لهذا القطاع بوقف الهدر والسمسرات والصفقات المشبوهة وسوء الإدارة والتوظيفات العشوائية والزبائنية السياسية في توظيفات كهرباء قاديشا ومنشآت النفط وغب الطلب، كما اجراء مناقصات شفافة لصيانة وتشغيل المعامل، حيث أصبحت قيمة هذه الصفقات مع الرواتب والأجور تتجاوز واردات المؤسسة الذاتية. الواجب يقتضي التشدد في جباية أموال المؤسسة وزيادة التعرفة الكهربائية تدريجياً بهدف استرداد الكلفة شرط تأمين الكهرباء علماً بان المؤسسة لم تستطع تعديل التعرفة منذ العام 1996. اضافة الى اقرار القوانين والمراسيم التي تشجع المواطن والمؤسسات على استعمال الطاقات المتجددة (هواء، ماء، الطاقة الشمسية…) وهو ما يوفر على الخزينة الكثيرمن العملات الصعبة… مع الاسف فان تطبيق القانون وهذه الاصلاحات يتطلب تأليف حكومة اصلاحية تبدو بعيدة المنال.

لذلك، ولوقف الانهيار والسعي للإنقاذ والسماح بمشاركة القطاع الخاص لحل مشكلات قطاع الطاقة. نأمل أن تتوفر الارادة السياسية والتوافق للجوء الى الاشقاء العرب (قطر، مصر، سوريا، العراق، السعودية) الذين يتوفر لديهم الغاز الطبيعي والمشتقات النفطية التي تحتاجها معامل الانتاج في لبنان للحصول منهم على هبات أو مساعدات أو حتى بقروض طويلة الأمد بفوائد بسيطة. وقد اعلنت هذه الدول استعدادها المتكرر لمساعدة لبنان وارسلت العديد من المساعدات والاعانات في مجالات مختلفة كالصحة والدفاع…

لقد آن الاوان لكي يدرك الساسة في لبنان بان انقاذ القطاعات الحيوية والأساسية كقطاع الكهرباء لا يتطلب خططاً واقتراحات واجتماعات وانما ارادة واجراءات شجاعة وعدم التلهي بالمناكفات السياسية التي تعطل اي اصلاح واي تطور نحن بأمس الحاجة اليهما.