IMLebanon

صفير: عقوبات أوروبية ستستهدف طبقة “البزنس” السياسي

جاء في “الراي الكويتية”:

حال الاستعصاء في إخراج العملية السياسية من «عنق التعطيل» والولوج إلى تأليف الحكومة العالقة في لعبة الحسابات الداخلية الضيّقة وتلك الإقليمية المتعددة الاتجاه، أَخرجَـتْ «الأم الحنون» عن طورها، بعدما مدَّ سيد «قصر الإليزيه»، «حبل النجاة» للطبقة السياسية التي اهتّزت عروشها بعد ثورة 17 تشرين الاول 2019، وكادت أن تقع عقب انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020.

تلقفت المنظومة الحاكمة المبادرة الفرنسية، لكنها سرعان ما انقلبت عليها، ولا تزال ماضية في غيّها، فيما البلاد باتت قاب قوسين أو أدنى من «الارتطام الكبير» المالي والاقتصادي والاجتماعي، وتداعياته الأمنية.

فبعد سلسلة من التحذيرات الفرنسية المُحتَضَنة أوروبياً وأميركياً، خرجَ وزير الخارجية الفرنسي جان – إيف لودريان مستعيناً بالمثَل الشعبي «آخر الدواء الكيّ»، ليعلن عن بدء بلاده بإجراءات منْع الدخول إلى الأراضي الفرنسية، لشخصيات «نعتبرها معرقلة للعملية السياسية وضالعة في الفساد»، مكرراً أن على المسؤولين عن العرقلة أن يفهموا بأن فرنسا لن تبقى مكتوفة، وأنها بدأت، مع شركائها الأوروبيين، العمل على الخطوات التنفيذية للضغط على هؤلاء.

هذا الإعلان الذي لم يُرفق مع كشف بلائحة الأسماء المُستهدفَة، تعقبه زيارة سيقوم بها كبير الديبلوماسية الفرنسية لبيروت الأربعاء المقبل وفُهم، من حيث المبدأ، أنها تُشكّل الفرصة الأخيرة «لمَن يعنيهم الأمر» قبل نشْر اللائحة ووضعها موضع التنفيذ.

«الإجراءات الفرنسية» سبقتْها عقوبات أميركية ضدّ شخصيات لبنانية، ويتوقع أن تلحقها عقوبات أوروبية، ما يطرح جملة أسئلةٍ عن الفارق بين طبيعة كل منهما، والمدى الذي ستصل إليه، والتداعيات التي ستترتّب عليها قانونياً وسياسياً.

وقد خصَّ «الراي» في الإجابة عنها الأستاذ في القانون الدولي المحامي الدكتور أنطوان صفير.

* ما وجه الاختلاف بين العقوبات الأميركية والعقوبات الأوروبية، وأيّهما أشد تأثيراً؟

– العقوبات الأميركية تتعلّق بالقانون الأميركي وجاءت وفق القوانين الأميركية المرعية الإجراء، وتُلْزِم المؤسسات التي تتعامل مع الولايات المتحدة وطبعاً البنوك، باعتبار أن الأخيرة جزء من النظام المصرفي العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة، خصوصاً في موضوع الدولار وسواه.

العقوبات الأميركية معناها السياسي أكبر من معناها العملي بالنسبة لبعض اللبنانيين، لأنه ربما الكثير من السياسيين اللبنانيين، الذين شملتْهم أو ستشملهم هذه العقوبات، ليست لديهم مُلكية في الولايات المتحدة، أو أموال أو مصالح محدّدة.

ولكن للعقوبات تأثيرات معيّنة من خلال إخراجهم من النظام المصرفي العالمي، إن كان في المصارف اللبنانية، أو في أي مصرف يتعامل بالدولار الأميركي، أو مع المؤسسات الأميركية، أو مع الحكومة الأميركية، وبالتالي يصبح مَن تشمله العقوبات شخصاً غير مرغوب في كثير من الدول، أي لا يُعطى «فيزا» ولا تسهيلات للمرور، أو أي خدمات أخرى.

أما العقوبات الأوروبية، فلها معنى سياسي وعملي أيضاً، باعتبار أن الكثير من السياسيين اللبنانيين قد هرّبوا أموالاً، ولديهم حسابات في مصارف أوروبية، أو اشتروا بالأموال التي جنوها من السياسة، سواء من الخزينة أو عبر صرف النفوذ، ملكيات وقصوراً وغيرها، ربما في فرنسا وسواها، وهذا حصل من مال الفساد والاهتراء الذي أوصل البلاد إلى الانهيار، لأن هناك أناساً فوق القانون.

وبالتالي العقوبات الأوروبية، والفرنسية تحديداً، لها تأثير كبير، وخصوصاً إذا مُنعوا من دخول الأراضي الفرنسية والأوروبية، وبالتالي يصبحون معزولين بشكل كامل، فضلاً عما إذا فُرضت عليهم عقوبات أميركية، وخرجوا من النظام العالمي، لينحصر نشاطهم في نطاق بعض الدول التي تستقبلهم.

ولكن حتى هذه الدول لا يمكنها أن تفتح لهم حسابات مصرفية، وخصوصاً إذا جُمّدت أموالهم. ويوم تُجمّد الأموال، على صاحبها أن يُؤكِّـدَ على مشروعية هذه الأموال، وطبعاً لا أعتقد أن شخصاً لديه مئات الملايين من الدولارات قادرٌ على أن يعطي تبريراً لهذه الأموال إلا من خلال السرقة والنهب وهدر المال العام.

* أعلن لودريان بدء إجراءات منع شخصيات لبنانية من دخول الأراضي الفرنسية، باعتبار أنها تعرقل العملية السياسية ومتورطة في الفساد، وتحدّث عن بحثٍ في إجراءات إضافية… ما الاحتمالات التي يتحدث عنها؟ – الموقف الفرنسي الذي أعرب عنه لودريان، هو موقف مبدئي.

فأولاً لم نعرف الأسماء! ولكن لماذا لا تُعرف؟ يجب أن تُعرف الأسماء لأن قوة القرار هي في إعلانه، وبالتالي إعلان الأسماء الممنوعة من دخول الأراضي الفرنسية والتي ستُجمّد أموالها يُعتبر أمراً مهماً.

وإذا لم تُجمّد الأموال، فإن القرار يبقى صُوَرِياً لا طائل منه.

كان على فرنسا أن تتخذ قرارها هذا منذ أن سقطتْ مبادرتها يوم قدّم السفير مصطفى أديب، رئيس الوزراء المكلف وقتذاك، اعتذارَه.

يومها سقطت المبادرة الفرنسية، وكان على فرنسا أن تتّخذَ موقفاً حاسماً من الطبقة السياسية، أي طبقة «البزنس» السياسي في لبنان، التي سلبتْ شعبها، وأوصلت البلاد والعباد إلى ما وصلوا إليه.

وبالتالي إذا كانت الإجراءات لا تزل قيد الدراسة فهذه نقطة ضعف إضافية في الموقف الفرنسي.

الموقف الفرنسي يجب أن يكون حاسماً، أي أن يُمنع من دخول الأراضي الفرنسية، وتُجمّد الأموال والأملاك، لأن غالبيتها آتٍ من مصادر غير مشروعة.

* إلى أي مدى ستؤثر هذه العقوبات على المستقبل السياسي لمَن ستتناوله؟

– طبعاً تؤثر العقوبات على المستقبل السياسي اللبناني، لأن لبنان بلد تَواصُل، وبلد رسالة، وبلد خدمات، ويجب أن يتواصل مع كل الدول، ولديه مصالح هنا وهناك.

لا يمكن لشخص أن يتبوأ سدّة المسؤولية، لا في الوزارة، ولا في رئاسة الجمهورية، أو رئاستيْ المجلس والحكومة، إذا كان مُعاقَباً، وخصوصاً أن العقوبات الأوروبية تجعل السياسي اللبناني خارج الخدمة فعلياً، حتى ولو كانت له خطابات صوتية، أو بعض المصفّقين له، وبعض المتعاطفين ممن لديهم مصالح معه.

العقوبات تعني ضربة قوية وشبه قاضية للسياسيّ اللبناني المشمول بها، إن لم يصل إلى تلميع صورته. وأعتقد أن هذا الموضوع عندما يشمل عدة أشخاص وتيارات أو أحزاب يطال طبقة سياسية بأكملها، وبالتالي تصبح مسألة إعادة الاعتبار صعبة.

* هل نحن على درب الوصول إلى مرحلة العقوبات المفروضة من الاتحاد الأوروبي؟

– حتى الساعة ربما لم يتأمن الإجماع في الاتحاد الأوروبي، باعتبار أن هناك ربما دولة أو دولتين لم توافقا على هذا الموضوع، لكن في مرحلة لاحقة، أعتقد أن العقوبات الفرنسية ستتحوّل عقوبات أوروبية، لأن الموضوع يسير في إطار دولي يتّجه إلى معاقبة طبقة «البزنس» السياسي التي سرقت شعبها ولم تعطِ شيئاً، وهي لا تزال تسوّف وتماطل.

وحتى عندما حصلتْ نكبة بيروت، بفعل انفجار المرفأ في الرابع من أغسطس الماضي والذي دمّر ثلث العاصمة، لم يكن هناك مسؤولون عن ذلك، ولم يتحمّل المسؤولون السياسيون أي تبعات، ولم يُعاقَب أحد.

كما لم يصل أي ملف يتعلق بالفساد إلى خواتيمه، والكذب متمادٍ من كل الأطراف، وقد وصلنا إلى أبواب الانهيار الشامل اجتماعياً واقتصادياً، وربماً أمنياً أيضاً.

* هل تتوقّع تغييراً في السلوك من القوى التي ستستهدفها العقوبات الفرنسية وربما الأوروبية لاحقاً؟ وهل شهدنا تغييراً مع مَن طالته العقوبات الأميركية… ولنأخذ مثالاً الوزراء السابقون جبران باسيل أو يوسف فنيانوس أو علي حسن خليل؟

– لا يُغيّر الله ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم. الطبقة السياسية اللبنانية تعيش ضمن معايير معينة، أي معايير عدم الرقابة وعدم المحاسبة والاستحصال على كل شيء، من خلال القانون أو خلافاً له.

ولكن المشكلة اليوم أننا أصبحنا في وضع خطير لم يعد يحتمل التسويف ولا نملك فيه تَـرَف الوقت، وبالتالي لا أعتقد أن أي مراهنة على أن تغيّر الطبقة السياسية نمطها يمكن أن تؤدي إلى النتيجة المرجوة.

التغيير يكون عبر الإطاحة بطبقة «البزنس» السياسي من خلال انتخابات نيابية حرّة شفّافة، لا يُستعمل فيها المال السياسي لشراء الضمائر بعدما أَفْقروا الناس، وبالتالي عندها تكون للبنان قدرة على الوصول الى سيادة حقيقية على أرضه وقراره.

ويجب أن يكون الوزراء من الاختصاصيين والمستقلّين الذين سيحددون، مع المؤسسات الدولية، معايير استنهاض الوضع اللبناني، ومحاسبة الفاسدين، واسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة في لبنان والخارج، والعالم كله يعرف أين هي.