كتبت كلير شكر في نداء الوطن:
هل يفعلها سعد الحريري ويعتذر؟ هل بات مقتنعاً أنّه فقد فرصته بالعودة إلى السراي؟ هل خسر ما تبقى من مظّلته الدولية والتي يفترض أنّ باريس كانت لا تزال تؤمّنها؟ هل يخشى أن يكون التلاقي السعودي – الإيراني على حسابه؟
أسئلة تُطرح جدياً بعد أكثر من 190 يوماً على تكليف الحريري، في ضوء المعوقات والعقبات التي تحول دون تفاهمه مع رئيس الجمهورية ميشال عون على حكومة تضع حداً للانهيار وتوقف النزيف الحاصل. الوقت يمرّ ثقيلاً، فيما الانفجار الكبير صار على الأبواب. أيام قليلة تفصل عن أولى خطوات رفع الدعم عن المواد الغذائية وبعض الأدوية، لتكون المشتقات النفطية هي المواد المستهدفة في الخطوة اللاحقة من قرار رفع الدعم، فيُترك اللبنانيون لمصيرهم… فيما الحكومة لا تزال أسيرة الفيتوات المتبادلة ورفض الرئاستين الأولى والثالثة تقديم أي تنازل في سبيل ولادتها.
لا شكّ في أنّ بعض المقرّبين من الحريري غير مرتاحين لسير الأمور، وهم مقتنعون أنّ هذا الدرب لن يجرّ إلّا مزيداً من التنازلات التي ستقضي على زعامة الرجل عاجلاً أم آجلاً، فيما رئيس “تيار المستقبل” يرى أنّه لا مفرّ من تجرّع هذه الكأس المرّة، ولا خيارات أمامه سوى تقليع شوك علاقته مع الفريق العوني بيديه، ولو أنّ الأخير يتصرف على قاعدة: إما اعتذار الحريري وإما انتهاء العهد على حكومة تصريف أعمال! والأكيد أيضاً أنّ ما يتناهى إلى مسامعه عن مفاوضات تجرى بين السعودية وإيران، على وقع مواقف جديدة لولي العهد محمد بن سلمان، لن يثلج قلبه، إن لناحية خشيته من أن يكون التفاهم السعودي – الإيراني على حسابه (وهي نظرية تروق كثيراً للعونيين)، وإن لناحية تدفيعه ثمن خيارات، كانت في حينه “مرذولة” من جانب الرياض، التي عادت بدورها إلى السلوك التفاهمي مع ايران، فيما لا تزال عند موقفها الرافض لوجود الحريري على رأس الحكومة، وفق ما يقول بعض المواكبين لسياسة الحريري.
كما أنّه ليس مرتاحاً لنوبة الغضب التي تصيب المسؤولين الفرنسيين جرّاء عدم تلقّف اللبنانيين مبادرتهم على نحو جدي وفعال، الأمر الذي دفع بباريس إلى تحضير لائحة مطولة من سياسيين ورجال أعمال قد يدرجون على لائحة عقوبات، تبدأ بقرار منعهم من دخول الأراضي الفرنسية وقد لا تنتهي بالتدقيق في حساباتهم المصرفية.
عملياً، تشكل هذه العقوبات في حال حصولها ضربة معنوية لمن ستطاله خصوصاً اذا لحقت بعض دول الاتحاد الأوروبي فرنسا في خطوتها. وفق المتابعين، فإنّ وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان سيعود إلى بيروت لإبلاغ اللبنانيين بأنّها الفرصة الأخيرة قبل وضع تلك اللائحة موضع التنفيذ. وما يزعج الحريري، الذي يتّكل على المظلة الفرنسية، هو أنّ لائحة الممنوعين من دخول فرنسا لا تعفي بعض المقربين منه. أكثر من ذلك، يبدو أنّ جدول لقاءات وزير الخارجية الفرنسي يقتصر فقط على لقاءات محدودة، أحدهما مع رئيس الجمهورية والثاني مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، فيما تبدو رئاسة الحكومة، بفرعيها، تصريف الأعمال، والتكليف، غير واردة على الأجندة الفرنسية، وذلك بالتزامن مع ما يصل رئيس “تيار المستقبل” من ملاحظات تسجّلها الإدارة الفرنسية على سلوكه في الشأن الحكومي، لا سيما في ما خصّ علاقته برئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الامر الذي ينعكس سلباً على مسار التأليف.
وبينما يحاول الفرنسيون استخدام كل أدوات ووسائل الضغط المتاحة، يعود الأميركيون إلى الساحة اللبنانية تحت عنوان ترسيم الحدود، ولكن هذه المرّة من بوابة قصر بعبدا التي يبدو أنّها قررت التعاون مع الأميركيين في هذا المجال، وفق ما سبق لوكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل أن أبلغه إلى من التقاهم من لبنانيين خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت. وهذا عامل إضافي يثير انزعاج الحريري مما آلت إليه الأحداث. بالفعل، يقول بعض المقربين من الحريري، إنّ ثمة تغييراً ما في لهجة رئيس الحكومة المكلف. لا يخفون انزعاجه من التطورات خصوصاً وأنّ الرأي العام لم يعد يعفيه من تهمة التعطيل، ويواجهه باللوم خصوصاً وأنّ التطورات تنذر بالأسوأ، ولو أنّه منذ لحظة تكليفه وضع سلسلة معايير وقواعد لم يَحِد عنها. إلا أنّ التعنّت الذي يواجهه من جانب الفريق العوني قد يضيّع المبادرة الفرنسية ويفشّلها، وهذا ما يخشاه الحريري.
,يكشف المقربون منه أنّه بصدد التدقيق بكل التطورات والمتغيرات وتحديداً مع الإدارة الفرنسية، ويراقب عن كثب ما يحصل في المنطقة، ولو أنّه مقتنع أنّ مهمة الحكومة العتيدة هي وقف التدهور وهو ليس متوهماً أنّها قادرة على إعادة الاستقرار الاقتصادي والمالي بين ليلة وضحاها، ولكنها قد تكون جسر عبور إلى مرحلة التفاهمات الاقليمية والدولية، أي أشبه بمرحلة اوكسجين لا أكثر. لكن سلوك الفريق العوني لا يوحي بأنّه بصدد القيام بهذه الخطوة أبداً.
ولهذا يجزم المقربون من الحريري بأنّ ثمة شيئاً ما تغيّر في حسابات الأخير، لكن لا قرار نهائياً بعد بشأن الاعتذار. وقد تبيّن ان كثرا من المحيطين بالحريري راحوا يشجعونه خلال الساعات الاخيرة نحو الاعتذار طالما ان الموشرات تشي بأن لا حكومة قريبا، حيث يبدو ان رئيس الحكومة المكلف لم يعد ممانعا لهذا الخيار الذي بات على طاولة الدرس بانتظار ما ستفضي اليه زيارة وزير الخارجية الفرنسي.