كتب مايز عبيد في نداء الوطن:
يتخوَّف الطرابلسيون من أن يكون خلف كل الضخّ الإعلامي الأخير عبر نشرات الأخبار والتحليلات، والحديث عن عودة التوترات الأمنية انطلاقاً من طرابلس، مخطط جديد وسيناريو أمني يحاك للمدينة، يراد من ورائه إشعال جبهتها قبيل عيد الفطر أو بعده، تنفيذاً لأجندات سياسية باتت معروفة، خصوصاً وأنّ الأوضاع السياسية مقفلة من كل النواحي، وعندما تضغط في السياسة تنفجر في الشارع، والشارع الطرابلسي بالتحديد.
ويأسف الطرابلسيون في نفس الوقت لأن الدولة والأطراف السياسية والحزبية والأمنية، لا ينظرون إلى مدينتهم سوى أنها صندوق بريد، لا أكثر. في السابق كانت الدول تنظر إليها على أنها صندوق بريد لإيصال رسائل إقليمية بأدوات لبنانية، اما الآن، ومع إشاحة الخارج نظره عن لبنان؛ لم يستنكف أهل السياسة المتخاصمون في الداخل عن النظر إلى طرابلس على أنها صندوق بريد، ولكن لإيصال رسائل ذات طابع داخلي. الخشية هذه المرة من أن يكون هناك سيناريو يجري الإعداد له كما تدلّ مؤشرات عدّة؛ وهو سيناريو لتفجير الوضع بطبيعة الحال؛ عبر تحريك التوتر في مناطق التوترات السابقة، لا سيما بين جبل محسن وباب التبانة، بعد سنوات من إخماد نار جولات العنف التي فاقت الـ20 بعد اندلاع الثورة السورية.
فالمسيرة الاخيرة في جبل محسن، الداعمة والمؤيدة لترشيح بشار الأسد للرئاسة في سوريا، مهما كانت ظروفها؛ لا يمكن أن تكون عفوية وتلقائية ومن دون حسابات سياسية وأمنية على الأرض؛ والخشية من أن يكون الهدف الأساسي منها هو إعادة تسخين النفوس والأجواء بين الطرفين والمنطقتين المجاورتين، لتستعدّ لأي مواجهة محتملة.
وقال الباحث والكاتب السياسي الطرابلسي شادي نشابة لـ”نداء الوطن”: “مع الأسف الشديد، هناك من يريد لطرابلس أن تبقى على فقرها وحرمانها لأنها في نظرهم ليست أكثر من صندوق بريد يستعملونه عند الحاجة”. وتابع: “ما حصل في مسيرة الدعم لبشار الأسد في جبل محسن له شقّان اثنان: الشقّ الأول داخلي ضمن الجبل نفسه، وهو صراع داخلي بين حزبين؛ “حزب البعث” و”الحزب العربي الديمقراطي”، أما الشقّ الثاني فهو أن كل طرف يريد أن يبرز نفسه ويحشد قوته في التجيير للإنتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا”.
لكن نشابة رأى في نفس الوقت أنّ “الواقعة بحدّ ذاتها تثير حالة من الإستفزاز في المدينة، وهذا الأمر قد يؤدّي إلى توترات أمنية داخل طرابلس، والمدينة بغنى عنها”.
وشدّد على أنّ “هذا المشهد ليس بجديد، لأن الأحداث الأمنية في طرابلس وجولات العنف جاءت نتيجة ما كان يحصل في سوريا بعد الـ2011 ولو اختلفت المراحل. طبعاً الآن الموضوع هو سياسي بكل أبعاده، لكن يمكنه أن يتحوّل صراعاً أمنياً داخل طرابلس، يترافق ذلك مع الفقر وغياب الدولة والحديث عن رفع الدعم الكامل الذي بات قريباً، كل هذه الضبابية الداخلية والخارجية وعدم وضوح الرؤية في شأن تشكيل الحكومة وفي شأن جولات التفاوض الحاصلة على مستوى المنطقة، كلها مؤشرات تبعث على القلق من احتمال إعادة إشعال الجبهة انطلاقاً من طرابلس”.
ما يتمنّاه الطرابلسيون هو أن تمر ّجمعة العيد على خير وأن لا تتكرّر حادثة المبسوط مرة أخرى، وأن لا يحصل أي حدث أمني يعكّر صفو المدينة التي بدأت أسواقها تشعر ببعض الانتعاش مع فتح البلد وجمعة العيد. ولا بد من الإشارة إلى الإشكالات الأمنية الفردية المتنقلة التي تحصل داخل المدينة واستعمال السلاح الحربي خلالها والضغط النفسي الشديد الذي يشعر به الناس وضغط الأوضاع الإقتصادية، وكلها مؤشرات مقلقة بطبيعة الحال.