كتب روي أبو زيد في “نداء الوطن”:
يطلّ الممثل بديع أبو شقرا في عملين دراميين خلال رمضان، الأول محلي “راحوا” والثاني عربي مشترك “للموت”. كما يصوّر “البريئة” الذي سيُعرض على إحدى المنصّات الرقمية. “نداء الوطن” إلتقت أبو شقرا في هذا الحوار الشامل.
تظهر بدور “عماد” الشخصية المستفزّة والمريضة والمجرمة في “راحوا”. أخبرنا عن تقييمك لهذه الشخصية.
أحبّ تقديم هذه الأدوار “المكبوتة”، خصوصاً أنها صبعة وتتطلّب العمل بجدّية على كل التفاصيل. تتعلق أبعاد هذه الشخصية بتاريخها، حاضرها، ظروفها وحالاتها النفسية وتتطلّب حدثاً مفاجئاً يحثّها على التحرر من قيودها، ما يولّد صراعاً لدى الشخصية ويجعلها تقف على حافة الهاوية. ويبقى إظهار سمات الشخصية وخطوطها مقترناً بالممثل فضلاً عن رؤية المخرج والكاتبة لربطها بكل شخصيات القصة وأحداثها.
كيف تحضّر لدورك كي تدخل في عمق الشخصية؟
يتعلّق البحث بدايةً في الحالة النفسية للشخصية وبالمعلومات العلميّة التي يمتلكها الممثل ليؤدي دوره من دون أخطاء. بالنسبة لي التمثيل بمثابة ولد يلعب “بيت بيوت” ويصدّق نفسه، فيكون حرّاً ومتحرّراً من المحظورات. العملية بسيطة لكنها مقترنة بتصديق ما تقدّمه. أحياناً يقوم الممثل بأبحاث عدة وتحضيرات مختلفة لكنّه يرميها كلّها خلف ظهره في موقع التصوير ويطلق العنان لإحساسه وعفويّته.
كيف توفّق بين تقديم شخصيـات مختلفة وعدم التأثر بأي منهـا في حياتك الطبيعية؟
إن تأثّرتُ بأيّ دور أقدّمه لا أكون ممثلاً، فنحن نستمتعُ بكلّ شخصية نجسدها عبر تقديم لوحات مشهدية مختلفة الواحدة عن الاخرى. وبرأيي، على الممثل أن يعيش في “أحلام اليقظة” التي تكون بمثابة “جرعة زائدة” من الواقع، تمكّنه من تجسيد الدور وإيصاله الى المشاهدين! قد ينافي هذا الكلام التعاليم الأكاديمية إزاء التمثيل، لكنه لا يتنافى أبداً مع القاعدة الاساسية الثابتة التي تساعد الممثل على تجسيد شخصيته بكرم من خلال تقديم أحاسيسه وقدراته ويبقى على المخرج تشجيبها وترتيبها.
من هو الممثل الذي يستفـزّك في مشاهدك كي تكون بدورك معطـاءً وكريماً؟
الممثل الذي يفاجئني بخطوات غير مُتوقّعة أو “كليشيه”، فيدفعني الى القيام بردة فعل لا تجعلني أظهر بموقع الضعف خلال تقديم المشهد. فالشرير مثلاً ليس من يضحك مثل الساحرة أو يكون شكله غريباً، بل من يُظهر سمات شرّ يدرك كيفية تقنيعها بشخصية رجل عاديّ. إذ من السهل أن نصرخ ونبكي ونضحك ولكن يكمن السر في التفاصيل المُحاكة على أساسها الشخصية والتي يبقى على الممثل تقديمها بأساليب مختلفة ومفاجِئة تضفي غنىً على الجو العام.
كيف تقيّم وضع الدراما المحلية اليوم؟
تعتمد الدراما المحلية على المجهود الفردي، لكنها أضحت اليوم مقترنة بالدراما العربية المشتركة. يواجه الإعتماد على السوق المحلي مشاكل عدة في ظلّ غياب تام وكامل للدولة التي لا تدعم إنتاجاً درامياً قد تصل نسبته الى حدود الـ12 في المئة من الدخل القومي، كما يمكن للبنان أن يكون “استوديو رئيسياً وأساسياً” للدول العربية. لذا هذا القطاع هو من الأهم إنتاجياً في البلاد ويوازي قطاع السياحة. لكنّ الدراما المحلية تواجه عقبات كثيرة تتعلّق بالسيولة والإستثمار والتمويل، ما يدفعنا الى الإعتماد على السوق العربي في ظلّ المشاكل الجمّة التي نواجهها محلياً. يقوم قطاع الإنتاج بواجبه على قدر استطاعته، والدليل أننا وصلنا الى الأوسكار وتصدّرت أفلامنا أهم المهرجانات السينمائية العالمية، كذلك وصل مسرحنا الى اليابان وأميركا بالرغم من الظروف الإقتصادية التي نتخبّط بها وتقف عائقاً أمام تطوّر الأعمال المحلية. لذا أتقدّم بالشكر العميق الى القيّمين على مسلسل “راحوا” من منتج ومخرج وكاتبة وممثلين، الذين عمدوا الى تنفيذ عمل دراميّ في ظلّ الظروف الصعبة.
هل خدمت الدراما العربية المشتركــة الممثل اللبناني؟
بالطبع، من خلال التفاعل الحضاري والثقافي، المساعدة في الإنتشار وفتح المجال أمام مواضيع جديدة تعالج التداخل في المجتمعات وتشابكها.
لكن أليس من الظلم أن تجسّد دور البطولة في “راحوا” وأن تحلّ ضيفاً في “للموت”؟
أحب المشاركة في أدوار صغيرة وقمت بذلك مرات عدة، مثلاً شاركت كارين رزق الله في مشهد واحد بمسلسل “إنتي مين”. أعمد دوماً الى اختيار الأدوار التي تلفتني بغض النظر عن مساحتها.
صرّحت في حديث تلفزيوني أنّ الممثل اللبناني “لا يبيـــع” وواجهتك حينها انتقادات عدة، أيمكن توضيح رأيك عبر منبرنا؟
بدايةً، لا يزايدن أحد على حبي واحترامي وتقديري للقطاع الدرامي في لبنان بشكل عام والممثل اللبناني بشكل خاص. لكن يجب مناقشة مشاكل القطاع الدرامي كي نفتح آفاقاً جديدة. نحن نمتلك ممثلين ومنتجين وكتّاباً رائعين لكن العقبات تفوق قدراتنا وبتنا نعرف مسبّباتها. لذا لم أنتقص من قيمة الممثل اللبناني حين قلت بصريح العبارة إنّ اسمه “لا يبيع”، لأنّه ليس من مسببي العوائق. وعلى الرغم من ذلك نحن نناضل لاستمرارية الدراما المحلية كي نساهم بانتشارها وتطوّرها. ويبقى الفن والثقافة الصورة الحقيقية للبلد ومرآة تعكس مجتمعه، وبغيابها يضحي الوطن كـ”سوبرماركت” أو كمركز للخدمات فقط لا غير.
كنت تعيش في كندا وعدتَ الى لبنان. أتفكّر بالهجرة مجدداً؟
الأمر مرتبط بالظروف العامة في البلاد. لا تسألني عن عنواني فلي في كل العالم عنوان!
ألا تخاف من التعبير عن رأيك بهذه الجرأة بالوضع الحالي؟
أنا مقتنع بما أقوله وأعتبر أنّه يجب اغتنام الفرصة الأخيرة لبناء البلد وإلا سنخسره الى الأبد. المعركة صعبة وتحتاج الى نفس طويل لخوضها، لذا سأستمر بالدفاع عن ارضي ووطني وذكرياتي. كذلك، كسر حاجز الخوف إزاء المقامات والزعامات، وترتكز المرحلة التغييرية المقبلة على ظهور وجوه جديدة وإعادة بناء مؤسسات الدولة… سنبقى محكومين بالأمل و”باقيين عقلبن”.
ما الذي ينقصنا للتغيير وبناء البلد مجدداً؟
علينا الإنتفاضة على تاريخنا ومسلّماتنا وحتى في بعض المرات على معتقداتنا! العملية شاقّة وصعبة خصوصاً أنّ الزعماء يتحكّمون بمفاصل الدولة كافة ويضعون يدهم على القطاعات الإنتاجية المختلفة. قبضت القوانين على أعناقنا في ظلّ وجود سلطة تشريعية تمنعنا من التغيير. يعمد المجتمع المدني اليوم الى طرح إجراءات عدة للبدء بالتغيير فضلاً عن انتشار جائحة “كورونا” التي ساهمت بتردّي الأوضاع الإقتصادية أكثر فأكثر. نحتاج الى تضافر جهودنا لبناء الدولة من الصفر، آخذين في الإعتبار أنّ المجموعات الحاكمة لن تتخلّى عن السلطة بسهولة حتى ولو لجأت الى الحرب لتحقيق مبتغاها. لكننا نعوّل على مقولة “اضرب الظالمين بالظالمين” فهم منقسمون، متشرذمون ولا يستطيعون تأليف حكومة حتى! كما أنّ الناس تشتمهم وتطردهم من الأماكن العامة، فأصبحوا عاجزين أمامهم. حتى أنّ الدول الإقليمية والدولية ترفض الإستثمار في لبنان بظلّ وجود هذه السلطة الحاكمة.
وثورة “17 تشرين”؟
حققت خطوات عدة، من أهمها رفض الخنوع والخضوع الذي تملّك الناس لفترة طويلة. لذا تبقى الثورة المدخل الرئيس للتغيير وسنراها حاضرة في الأحداث السياسية المفصلية بالبلاد كالإنتخابات النيابية، فهل سيرضى اللبنانيون بتطبيق قانون إنتخابي على مقياس هؤلاء المشرّعين؟ بالطبع لا!