Site icon IMLebanon

لبنان على قارعة “الفرز والضم” في المنطقة… هل يدفع الثمن؟

 

رغم الطابع الاستثنائي الذي تكتسبه الزيارةُ التي بدأها وزير الخارجية الفرنسي جان – ايف لودريان لبيروت، فإنّ المسرحَ الإقليمي – الدولي الذي يتحرّك عليه المسعى الباريسي في ما خص الأزمة اللبنانية يزخر بتطوراتٍ كبرى ومتسارعة لدرجةٍ تجعل «المحاولة الأخيرة» التي يدفع باتجاهها الرئيس ايمانويل ماكرون محكومةً بالتحولات التي تقف على مشارفها المنطقة التي تتجاذبها بداياتُ «رياح باردة» على الجبهات الرئيسية لم تخرج بالكامل من تحت تأثير «الرياح الساخنة» التي لم تكتمل نهاياتها بعد.

 

وفيما كانت بيروت مأخوذة، قبيل وصول لودريان الذي يُجْري اليوم لقاءاته، بـ «التحري» عن جدول اجتماعاته وإذا كانت ستشمل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري وهل ستساويه باريس، سواء في حصول اللقاء أو عدمه، مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، كما بخفايا وضْع زعيم «تيار المستقبل» اعتذاره عن التكليف على الطاولة وهل الأمر في سياق «إنذار» لتعديل موازين التأليف بوجه فريق رئيس الجمهورية ميشال عون أم يعكس اتجاهاً جدياً متعدد البُعْد، فإن المشهد المتغيّر بقوة في المنطقة بدا الشاغِل الأول لأوساط واسعة الاطلاع عبّرت عن خشية متعاظمة من كرة التحولات الكبرى التي تتلمّس طريقها في الإقليم وتداعياتها المحتملة على الواقع اللبناني.

فعلى عكس «المعتاد» لجهة «التسليم» بانعكاساتٍ ايجابية تلقائية لكل تسوية في المنطقة بين اللاعبين المؤثّرين في الوضع اللبناني، فإن عملية «الفرز والضم» التي تلوح في المحيط تثير هذه المرة ريبةً كبيرة في بيروت التي يُخشى أن تكون صارت مغيّبَة كلياً عن رقعة الشطرنج بما يجعلها خارج دائرة تلقي مفاعيل الترتيبات التي تُشْبَك في أكثر من ملف شائك.

وتُبدي الأوساط المطلعة قلقاً من أن حتى شعار «عند تغيير الدول احفظ رأسك» لم يعد ينطبق على «اختفاء» لبنان عن لوحة المنطقة ومساراتها المستحدثة، لافتة إلى أن «بلاد الأرز» قد تدفع أثماناً باهظة لتحوّلها أشبه بدولة «بلا رأس» على المستوى الرسمي في ضوء التعطّل الكامل لعمل السلطات وتناسُل الأزمات، مالياً ومصرفياً واقتصادياً وحكومياً، مُلاحظة أن حتى الدول التي مازالت تُبْقي لبنان «على رادار» الاهتمام تتعاطى مع أزمته على أنها «مشكلة مالية» تسعى لحلول لها عبر «ممرات انسانية» لمساعداتٍ للشعب اللبناني الذي بات أكثر من نصفه تحت خط الفقر، ومن دون إشاراتٍ، أقله معلنة، لأخذ التموْضع الاستراتيجي للبلد في الاعتبار كمعطى لا بد من إحداث توازُن فيه لا يكون إلا انعكاساً للموازين الاقليمية.

وترى هذه الأوساط أن الخوف الأكبر أن يكون الخارجُ بات يسلّم بأن لبنان صار كلياً في الحضن الإيراني ما يجعله تالياً منيعاً، بالمعنى السلبي، على تأثيراتِ التشكُّل الجديد للمنطقة، فيُترك لمصيره الذي «اختاره»، من حيث يدري الأطراف السياسيون فيه أو لا يدرون، ولغلبةٍ داخلية يملك أصحابُها كل مفاتيح التحكم بالاستقرار وتالياً بـ «أوراق الطمأنة» في الملفات التي تُعتبر جزءاً من استقرار المنطقة وأمنها وسلمها.

ومن هنا تعتبر الأوساط عيْنها أن حتى زيارة لودريان لا تخرج عن هذه القراءة، في ظل الانطباع بأن باريس لا يهمّها من الملف اللبناني أكثر من انتزاع إنجاز ديبلوماسي ولو على حسابِ تراجعاتٍ عميقة عن النسخة الأصلية من المبادرة الفرنسية ولمصلحة حكومة «بالتي هي أحسن» من دون مراعاة الوقْع الذي ستتركه لدى الخارج الذي لا يمكن لـ «بلاد الأرز» الإفلات من الحفرة المالية من دون «طوق نجاة» عربي – دولي، وسط خشية من أن يكون الأوان فات حتى على أن تشكّل الحكومة العتيدة عنوان استعادة التوازن ولو بالحد الأدنى الكفيل إبقائه حاضراً لاستعادة مكانته.

وهذا ما يفسّر وفق الأوساط عيْنها إصرار الحريري على التمسك بشروطه للتأليف (حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين وبلا ثلث معطل لأي فريق) ولو بوجه إشاراتٍ فرنسية بأن باريس لم تعد تمانع تشكيلة تعبّر عن الواقع السياسي (ولو بوزراء اختصاصيين) وبأنها مازالت تعتبر لقاء الحريري – باسيل من الركائز المسهّلة لمسار التشكيل، وهو ما كان في خلفية محاولة جمع الرجلين في باريس قبل اسابيع الأمر الذي رفضه الرئيس المكلف المتمسك بعدم الاجتماع برئيس «التيار الحر» قبل التأليف.

ومن هنا، يتم التعاطي في بيروت مع التلويج المستمرّ لقريبين من الحريري وقياديين في تياره بالاعتذار في حال بقيت العقد الحكومية على حالها بعد زيارة لودريان، على أنه «هجوم دفاعي» مزدوج: أولاً بوجه عدم تأكيد رسمي أن لقاءات وزير الخارجية الفرنسي ستشمل الرئيس المكلف، وإشاعة أن شموله سينسحب أيضاً على باسيل، ما يعني التعاطي مع الرجلين «على قدم المساواة» في التعطيل الذي رفعتْ فرنسا بإزائه «بطاقة العقوبات» (تقييد الدخول إلى أراضيها على شخصيات لم تعلن أسماؤها بعد)، وثانياً بإزاء أي محاولاتٍ للضغط على الحريري في ما خص شروط التأليف أو لقاء رئيس «التيار الحر».

وإذ اعتبرتْ الأوساطُ ربْطَ قريبين من «التيار الحر» التلويحَ بالاعتذار بالمتغيرات في المنطقة ولا سيما ببوادر تحسن في علاقات عربية – عربية على أنه يعكس منحى استقوائياً بالوقائع الجديدة خارجياً قد يتعزز تباعاً، دعت الى انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة خصوصاً بعد انتهاء زيارة لودريان وما سيقوله الأخير، في ظلّ أجواء متضاربة حيال مسألة الاعتذار راوحت بين سحْبها من التداول في بعض الأوساط القريبة من الرئيس المكلف مقابل الإبقاء عليها لدى آخرين وإن مع اعتبار أن لا توجُّه حاسماً بذلك حتى الساعة، في موازاة اعتبار دوائر متابعة أن الرئيس المكلف ربما يكون نجح في «رسالة الإنذار» باستدراج تجديد دعْم خارجي لتكليفه بوجه محاولات «استفراده» داخلياً.

وإذ أعلن النائب محمد الحجار (من كتلة الحريري) أمس «ان الأمور نحو أفق مسدود، والرئيس المكلف لابد أن يتخذ قراراً في نهاية المطاف، لن يكون غريباً عنه وعن تمسكه بحفظ مصلحة البلد»، اعتبر نائب رئيس «تيار المستقبل» مصطفى علوش أنّ «طرح خيار اعتذار الرئيس المكلف هو لكسر الجمود في الواقع القائم وليس مرتبطاً بمسعى لودريان»، موضحاً انه «بعد الكلام عن احتمال اعتذار الحريري، وردت الكثير من الاتصالات من لبنان ومن خارجه للتأكد ‏من صحة وجود مثل هذا التوجه، وظهر أن غالبية المتصلين ضد اعتذاره».

وفي موازاة ذلك، أعلن مجلس المطارنة الموارنة أنه «أمام الوضع الخطر الداهم الذي يتهدد لبنان بانهيار مالي واقتصادي كلي، يتوجه الآباء تكراراً إلى المعنيين الرسميين بتشكيل الحكومة العتيدة، ليضعوا جانباً كل حساباتهم وغاياتهم الخارجة عن إرادة الإنقاذ، ويسارِعوا إلى إكمال عقد السلطة الإجرائية الذي يشكل مدخلاً إلى الخلاص الإصلاحي المدعوم مالياً على الصعيد الدولي»، وقال: «إن الدولة تتفكك على نحو قد لا يكون قابلاً للمعالجة، وحري بهم استجابة مطالب شعبهم والمجتمع الدولي».

وأضاف المطارنة الموارنة في بيان أعقب اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي: «في ضوء تبلور إرادة دولية للقيام بخطوات تقي اللبنانيين مخاطر مزيد من الفقر، يناشد الآباء العواصم الصديقة القيام بمبادرات إنسانية عاجلة تساعد الشعب اللبناني على الصمود وتحول دون وصوله إلى نقطة اللاعودة، لاسيما أنها جددت إعلان اهتمامها بمستقبل أفضل للبنان، الذي يحتل، كما أشارت، موقعاً بارزاً في أجندتها الإقليمية».

وشجب المطارنة بشدة «التفلت المتمادي على المعابر الحدودية الشرقية والشمالية، كما في مرفأ بيروت ومطارها، التي باتت تُستخدم جهاراً لتهريب المخدرات، الأمر الذي كلف لبنان مزيداً من الحصار الاقتصادي شمل صادراته الزراعية إلى المملكة العربية السعودية وسائر بلدان الخليج».

وإذ طالبوا «الوزارات والإدارات المعنية بالحزم في مراقبة منافذ لبنان على العالم، دخولاً وخروجاً»، دعوا إلى «مؤازرة صارمة لذلك من الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية، ويرجون تبعاً لذلك استئناف التصدير إلى الدول الخليجية الشقيقة، التي لطالما عُرِفت بمحبتها للبنان وغيرتها عليه وعلى أهله».
https://www.alraimedia.com/article/1533767/خارجيات/لبنان-على-قارعة-الفرز-والضم-في-المنطقة-هل-يدفع-الثمن