كتبت رندة تقي الدين في “نداء الوطن”:
“سأكون في لبنان مع رسالة شديدة الحزم للقادة السياسيين ورسالة تضامن كامل مع اللبنانيين”… على إيقاع تغريدة “الحزم في وجه الذين يعرقلون تشكيل الحكومة” يطأ وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الأراضي اللبنانية معلناً نيته الصريحة بأن يتصدى لمعرقلي التأليف “وجهاً لوجه” في بيروت، بالقول عشية جولته على المسؤولين: “اتخذنا إجراءات وطنية، وهذه ليست سوى البداية”، في رسالة بدت للمتابعين تأكيداً على كون باريس اتخذت إجراءات عملانية بحق المعرقلين، وربما شملت تحديد بعض الأسماء على قائمة الممنوعين من الاستحواذ على تأشيرة دخول إلى الأراضي الفرنسية.
وتندرج زيارة لودريان إلى لبنان في سياق تشديد الضغوط على القيادات السياسية اللبنانية، وهي ضغوط لم تتوقف طيلة المرحلة الماضية رغم استمرار العراقيل وارتفاع منسوب الامتعاض الفرنسي من أداء المسوؤلين اللبنانيين بسبب عدم تشكيلهم حكومة مهمتها إنقاذ البلد من الانهيار. غير أنّ أكثر من ديبلوماسي في باريس لا يزال يعتقد أنّ زيارة وزير الخارجية الفرنسي لن تكسر الجمود في الوضع السياسي اللبناني ولن تفكك العقدة الداخلية لتشكيل الحكومة. وبحسب المعلومات فإنّ لودريان يعتزم القول مجدداً للقيادات اللبنانية إنهم سبق أن التزموا أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتنفيذ خريطة الطريق التي رسمها لإنقاذ لبنان، وبالتالي ما عليهم الآن سوى أن ينفذوا التزاماتهم وإلا تعرضوا لعقوبات فرنسية متدرّجة، تبدأ بمنع دخولهم الأراضي الفرنسية.
وبحسب مراقبين فرنسيين متابعين عن كثب للوضع اللبناني وللعلاقة الفرنسية – اللبنانية، لا يمكن للرئيس الفرنسي أن يتخلى عن القضية اللبنانية ويتوقف عن ممارسة الضغط لأنّ لبنان يحتل حيزاً مهماً من الاهتمام على الساحة الفرنسية، كما أنّ ماكرون بحاجة إلى “انتصار دبلوماسي” عشية موعد انتخابات الرئاسة بعد أقل من سنة، إذ بدأت فترة الحملة الانتخابية، ورغم أنّ ماكرون لم يعلن بعد عن نواياه بالترشّح لولاية رئاسية ثانية، لكنّ ترشحه شبه مؤكد.
وبينما لا توجد شكوك في احتمال حصول المزيد من الانهيار في لبنان، أتى التحرك الفرنسي الذي نال تأييداً كبيراً من الطبقة السياسية الفرنسية، من أقصى اليمين إلى اليسار، عندما زار ماكرون لبنان غداة انفجار المرفأ، لكنه بقي عاجزاً عن تحقيق أي ربح لحساب ديبلوماسيته الخارجية تحت وطأة التعطيل السائد في الحياة السياسية اللبنانية وفشل الطبقة الحاكمة في البلد، وهذا الأمر سرعان ما أثار انتقادات من معارضي ماكرون الذين وجدوا “فرصة ذهبية” للتشهير بجهوده في الملف اللبناني معتبرين انها فشلت. ولذلك فإنّ ماكرون يحتاج اليوم إلى جهود لودريان الذي تجمعه علاقة متينة به، لا سيما وأنه يُعتبر ركناً أساسياً ذا وزن ثقيل في الحزب الاشتراكي الفرنسي، وكان قد شغل منصب وزير الدفاع طوال فترة رئاسة فرنسوا هولاند، وبقي طيلة فترة رئاسة ماكرون في منصبه وزيراً للخارجية، فضلاً عن أنه مستشار للمجلس الإقليمي في منطقة البروتاني، وعليه فإنّ ماكرون يعتمد على وزير خارجيته مستقبلاً لجلب أصوات “اليسار الاشتراكي” وله هامش تحرك كبير وحرية كلام كبيرة كوزير لخارجية، خصوصاً وأنّ الرئيس الفرنسي تقليدياً يهيمن وفريقه على الملفات الخارجية المهمّة ومن بينها الملف اللبناني.
وعشية زيارته لبنان، نسق لودريان مع ماكرون مضمون ما سيحمله من رسائل وما سيقوله مباشرة للرؤساء الثلاثة ميشال عون ونبيه بري وسعد الحريري حين يلتقيهم. إذ إنه وعلى عكس ما أشيع في بيروت، سيلتقي رئيس الحكومة المكلف لكنّ تحديد موعد اللقاء تأخّر “لأسباب بروتوكولية”، وفق ما شرح دبلوماسي غير معني بالزيارة لـ”نداء الوطن”، موضحاً أنه عموماً لا يؤخذ موعد من رئيس حكومة مكلف طالما أنه لا يمارس مهامه الرئاسية بعد كالرؤساء الرسميين.
وكان لودريان قد وضع نظيره الأميركي أنطوني بلينكن في صورة زيارته لبنان، على هامش مؤتمر مجموعة وزراء خارجية الدول السبع الصناعية في لندن، بحيث لا يزال الوضع السياسي اللبناني معطلاً، مع إشارته إلى ما قاله في مالطا عن العقوبات المحتملة على المعطلين، فوافقه بلينكن على هذا التوجه مبدياً تأييد الولايات المتحدة لموقف فرنسا، علماً أنّ واشنطن كانت منذ البداية مؤيدة للتحرك الفرنسي في لبنان وأصبحت تعتمد على باريس لتولي الملف اللبناني وإيجاد الحل له، كون الإدارة الاميركية الجديدة لديها انشغالات أهم واكبر من الملف اللبناني. وعلى هذا فإنّ لودريان يزور لبنان بزخم دولي وبتكليف من ماكرون لإبداء دعم فرنسا لمنظمات المجتمع المدني التي تبقى، مع الجيش اللبناني، ركيزة الدعم والاهتمام الفرنسيّين في غياب تشكيل الحكومة.