كتب عمر البردان في “اللواء”:
إذا كانت زيارة موفد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وزير الخارجية جان إيف لودريان التي بدأها، أمس، إلى بيروت، هي الأكثر غموضاً في زيارات المسؤولين الفرنسيين إلى لبنان حتى الآن، بالنظر إلى الإرباك الذي رافقها حيال اللقاءات التي سيعقدها لودريان، إلا أنها تحمل في طياتها رسائل تحذير من خطورة ما ينتظر لبنان في المرحلة المقبلة، في حال لم يتم تجاوز عقبات التأليف التي تعترض التوافق على صيغة تقبل بها الأطراف المعنية. وفيما لا يزال جدول أعمال الضيف الفرنسي غير واضح، إلا أن عدم ورود اسم الرئيس المكلف في جدول الأعمال الرسمي لزيارة لودريان، أثار تساؤلات في أكثر من اتجاه، وإن كان مرجحاً أن يضاف «بيت الوسط» إلى سلسلة لقاءات رئيس الدبلوماسية الفرنسية في مرحلة لاحقة. لكن هذا الاستدراك المتأخر من جانب الفرنسيين، لا يحجب الامتعاض «المستقبلي» من المساواة بين الرئيس الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، وبالتالي فإن الرئيس المكلف يرفض أن يتحمل مسؤولية تعطيل تأليف الحكومة، على غرار ما يقوم به باسيل وفريقه السياسي، في حين يعلم الجميع كما تقول أوساط التيار «الأزرق»، أن الحريري لم يقصر في تقديم تنازلات من أجل تسريع التأليف، لكنه كان في كل مرة يواجه بمزيد من الشروط، التي كان يراد منها دفعه إلى الاعتذار.
وفي الوقت الذي تتجه الأنظار إلى مضمون الرسالة التي سيوجهها الضيف الفرنسي إلى القيادات اللبنانية التي سيلتقيها، إلا أن النتائج التي ستتمخض عن الزيارة، ستحدد معالم المرحلة المقبلة في ما يتعلق بتأليف الحكومة، وما إذا كانت ستصب في مصلحة تسهيل مهمة الرئيس المكلف، أم أنها ستدفعه إلى الاعتذار، في حال وجد أن المبادرة الفرنسية قد أجهضت نهائياً، ولم يعد ممكناً تشكيل حكومة وفق المعايير التي كان وضعها عند تكليفه في تشرين الأول الماضي. سيما وأن عدداً من نواب تيار «المستقبل» قد أشاعوا أجواء تشير إلى أن الاعتذار قد وضع على الطاولة من ضمن الخيارات المطروحة، إذا لم ينجح الوزير الفرنسي في إحداث خرق في جدار الأزمة، لناحية الضغط على المعرقلين وتسهيل الولادة في وقت قريب.
وتكشف المعلومات التي توافرت لـ«اللواء»، أن الأجواء التي سبقت زيارة رئيس الدبلوماسية الفرنسية، لا توحي بكثير تفاؤل بإمكانية تحريك المياه الراكدة من أجل تجاوز العقبات التي تعترض التأليف، في ظل عدم استعداد فريق العهد لتقديم تنازلات تفضي إلى الإسراع في التأليف، في ظل معلومات أشارت إلى أن العهد لن يسهل مهمة الحريري، لأنه لا يريده رئيساً للحكومة، وإنما سيدفع به للاعتذار، بغية الإمساك بقرار الحكومة بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون، تمهيداً لضمان وصول رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل إلى منصب رئاسة الجمهورية في الـ2022. وهذا الأمر لم يعد خافياً على أحد. ما يجعل الأمور على درجة كبيرة من التعقيد، بحيث سيجد الرئيس المكلف نفسه أمام الحائط المسدود، بعدما أخفقت المساعي الفرنسية والروسية في حلحلة العقد التي تعترض عملية التأليف، باعتبار أنه لا يمكن أن يبقى رئيساً مكلفاً إذا لم يستطع إنجاز مهمته، في ظل الواقع المزري الذي يمر به البلد، والذي يتطلب جهوداً استثنائية لإخراجه منه.
وتشير المعلومات، إلى أن موفد الرئيس ماكرون، سيؤكد في مقابل التهديد بفرض عقوبات على معطلي تشكيل الحكومة، بأن بلاده مع الدول المانحة ستقف إلى جانب لبنان، وستقدم له الدعم المطلوب لإخراجه من أزمته، بعد تأليف حكومة قادرة على القيام بالخطوات الإصلاحية المطلوبة التي تتضمنها المبادرة الفرنسية، كونها الخيار الوحيد المتاح أمام لبنان لتجاوز هذا المأزق الذي يتهدده بأوخم العواقب. ومن هذا المنطلق جاء التحرك الفرنسي كرسالة إنذار أخيرة للطبقة السياسية في لبنان، بوجوب اغتنام الفرصة المتبقية، قبل السقوط الذي لن ينجو منه أحد، خاصة وأن أبواب المساعدات العربية والدولية موصدة أمام لبنان. وهذا ما يفرض على اللبنانيين المبادرة إلى اتخاذ الإجراءات الآيلة لإنقاذ المركب من الغرق المحتم.
وعليه، فإن الكرة هذه المرة في ملعب القيادات اللبنانية المسؤولة وحدها عن مصير البلد، فإما أن تتولى إنقاذ السفينة وإيصالها إلى بر الأمان، وإما فإنها تتحمل مسؤولية انهيار البلد، مع ما سيترتب عن ذلك من تداعيات، لا يمكن التكهن بنتائجها، بالنظر إلى نتائجها الكارثية على مختلف الأصعدة.