هذه المرة، يبدو الرئيس المكلف سعد الحريري كمن أحسن استخلاص العبر من تجارب سابقة لم تكن على قدر التوقعات. بعد ستة شهور على إنطلاق رحلة التأليف المضنية، كل ما يتراكم في المشهد الحكومي يشي بأن الرجل بات قاب قوسين أو أدنى من الانتقال إلى مرحلة جديدة، ومحفوفة بالغموض والأخطار السياسية، من المواجهة مع الفريق الرئاسي، على وقع الزيارة المرتقبلة لوزير الخارجية الفرنسي جان-ايف لودريان إلى بيروت. غير أن الأهم أنها تأتي بينما تستعد المنطقة لزمن جديد يعيد إلى الأذهان معادلة سين-سين الشهيرة على خط دمشق الرياض.
وفي السياق، فندت مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية” التطورات الحكومية وما تحمله بين طياتها من منظار التوقيت. ذلك أن الرئيس المكلف بدأ يلوّح جديا بالتخلي عن منصبه الذي اعتبر نفسه “مرشحا طبيعيا له”، غداة لقاء بين الرئيس السوري بشار الأسد الذي يستعد لخوض انتخابات رئاسية شبه محسومة النتائج بعد ثلاثة أسابيع من اليوم، ووفد من المخابرات السعودية. وفي ذلك مؤشر إلى أن الرياح الاقليمية لن تجري في المرحلة المقبلة بما يشتهي الحريري وسواه من معارضي الأسد ونظامه. وتشير المصادر إلى أن التقارب السوري -السعودي تزامن مع عودة الكلام عن ضرورة إعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، والذي لم تستطع المعارضات السورية ملأه، على الرغم من الضغط القطري والخليجي عموما في هذا الاتجاه.
وفي قراءة لهذه الصورة، تعتبر المصادر أن هذه النسخة الجديدة من معادلة “سين-سين” تكتب بينما لا يزال اللقاء بين الحريري والقيادة السعودية بعيد المنال، مع العلم أن ولي العهد محمد بن سلمان أطلق إشارات ايجابية لافتة في اتجاه طهران في مقابلته الصحافية الأخيرة، بعدما كان من أشرس معارضي مسايرة الحريري لحزب الله على المستوى الداخلي.
في المقابل، تؤكد المصادر أن إذا كانت كل هذه العوامل لا تصب في صالح الحريري، فإن إقدامه على الاعتذار عن المهمة قد يحقق نصرا سياسيا موضعيا للفريق الرئاسي، على اعتبار أنه لم يكن يرى بعين ايجابية عودة الحريري إلى الرئاسة الثالثة، وهو ما دل إليه الموقف الشهير لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون عشية الاستشارات النيابية، منبها النواب إلى ضرورة حسن اختيار الرئيس المكلف، معطوفا على الاتهامات التي سيقت للحريري بتعطيل التشكيل لأسباب متعددة. على أن هذا لا ينفي أن اعتذار الحريري لا يلغي له نقاطا مضيئة تقوم على تمسكه بالمبادرة الفرنسية، بينما دأب كثيرون على المطالبة بتطعيم التوليفة بالوجوه السياسية.
وتختم المصادر داعية إلى انتظار ما ستؤدي إليه زيارة لودريان، معتبرة أن انتهاءها إلى اعتذار الحريري سيشكل نكسة للرئيس عون، من حيث رمي كرة التأليف في ملعبه واستنزاف مرحلة طويلة مما بقي من العهد في البحث عن خلف للحريري، إذا وجد، مع العلم أن أي شخصية سنية قد لا تقدم على قبول المنصب، لأن أحدا ليس مستعدا لتكرار تجربة الرئيس حسان دياب، ولا لتحمل تبعات الانفجار الاجتماعي الذي سيقود إليه تطويل مشوار التشكيل.