جاء في المركزية:
لليوم الثاني على التوالي، دهمت المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون امس شركة “بروسك” لنقل الاموال في بعبدا، في اطار مواصلتها تحرّكاتها الميدانية في ملف تحويل الاموال وتبييضها. الصورة على الارض، بدت شبيهة بتلك التي ارتسمت في عوكر منذ اسابيع، حين دهمت عون مكاتب شركة مكتّف للصيرفة. فبعد ان رفضت “بروسك” التعاون مع عون او تسليمها ايا من المعلومات والاجهزة والداتا التي طلبتها، وبعد ان اقفلت ابوابَها في وجهها، لجأت القاضية مجددا الى الكسر والخلع، للدخول الى مبنى الشركة… الاخيرة، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، لم ترفض التجاوب مع عون بلا مسوّغ او مبرّر قانوني، ولا هي تسعى الى إخفاء شيء ما، بل “بروسك” اعلنت ان التحقيقات في الملفات المالية سُحبت اليوم من يد القاضية عون وانتقلت الى يد القاضي سامر ليشع. وبالتالي، اذا طلب منها الاخيرُ ايَّ ورقة، فهي ستتجاوب فورا معه، وهذا هو ايضا لسان الحال في مكاتب مكتّف. وقد قدم محامي “بروسك” امس، بيتر جرمانوس بوكالته عن المدعيين العميد المتقاعد بيار حجي جورجيو رئيس مجلس ادارة شركة بروسك وشركة بروسك ش.م.ل، شكوى ضد القاضية عون أمام المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات.
فما بات الكل يعرفه في الاوساط الشعبية والسياسية والقضائية، ان عويدات كفّ يد القاضية عون – الادنى منه رتبة في التراتبية القضائية- وأحال التحقيقات في كل القضايا المالية، الى ليشع. والقرار نفسه، تبنّاه مجلس القضاء الاعلى ايضا، طالبا من عون الالتزام بما صدر من مقررات، محيلا اياها في الوقت عينه، الى التفتيش القضائي. غير ان القاضية المتمرّدة لم تأبه لقرارات عويدات والقضاء الاعلى، فضربتها عرض الحائط قبل ان يجف حبرها، واستمرّت في مداهمة مكاتب مكتف بدعم واضح من التيار الوطني الحر، رئيسا، وقاعدة، حيث رافق مناصرو “البرتقالي” تحركاتها في عوكر، وأمّنوا لها الدرعَ الواقي والسند في عمليات الكسر والخلع، قبل ان تنتقل الاخيرة الاربعاء، فجأة، الى بعبدا لتكرّر “السيناريو” عينه في شركة “بروسك”،المعلوم انها لا تحوّل الاموال الى الخارج، بل تنقلها من نقطة الى اخرى، من مصرف الى آخر مثلا، لا اكثر ولا اقل من خلال 900 موظف منتشرين على كامل الاراضي اللبنانية لهذا الغرض. وهنا، تضيء المصادر على مخطط مشبوه يبدو بعض الجهات يهدف الى تحقيقه، من ضمن حملته الممنهجة لتدمير القطاع المصرفي. فاستهداف شركات نقل الاموال وختمها بالشمع الاحمر، سيحرم المصارف والصرافات الآلية ATM من السيولة، أي ان اي موظف في القطاع العام او الخاص او في الاسلاك العسكرية واي فرد وطّن معاشه في المصارف، لن يتمكّن، اذا استمرت مطاردة شركات النقل، من الاستحصال على راتبه او امواله لتعذّر وصولها الى فروع البنك، الامر الذي سيفاقم الغضب الشعبي على القطاع… على الارجح هذا الهدف المطلوب اليوم، ويندرج في سياق تزخيم النقمة الشعبية على المصارف، ممارسة دأبت عليها المنظومة السياسية منذ بداية الثورة لتبرئة ساحتها من الاقترافات التي دفعت البلاد الى الانهيار والصاق التهمة كاملة بالقطاع المصرفي.
على اي حال، ما يساعد عن قصد او غير قصد، في هذا المشروع الخطير، وما يساعد عون على المضي قدما في تجاوز رؤسائها وفي ضرب هرمية القضاء وهيبته في آن، ليس فقط الغطاء السياسي المؤمّن لها والذي مدّها ايضا بضابطة عدلية كناية عن عناصر في امن الدولة يرافقونها اينما ذهبت، بل العامل الثاني الذي يسعفها في تصرّفاتها غير المسبوقة، هو القضاءُ نفسه. كيف؟ هي مَثلت امام رئيس التفتيش القضائي القاضي بركان سعد منذ اكثر من اسبوع، الا انه حتى اليوم، لم يصدر اي قرار في ملفّها وفي عشرات الشكاوى المقدمة ضدها. هذه المماطلة سمحت لعون بالذهاب أبعد، وبالإمعان في ضرب القوانين. فهل هذا التسويف مقصود؟ وهل من ضغوط تُمارس على سعد لتمييع الملف وعدم قول كلمته فيه؟ لا جواب بعد، لكن الاكيد ان في حال لم يؤخذ الاجراء اللازم في حق عون وتمرّدها على القانون، سريعا، فإنها ستستمر في ممارساتها هذه، وربما ستشكل هذه الظاهرة مقدمّةً لتفلّت المجتمع اللبناني كلّه، من “الضوابط” والشرائع، فتسود شريعة الغاب في ما بقي من هذا البلد، تختم المصادر.