IMLebanon

أزمة تشكيل الحكومة خارج جدول أعمال لودريان

كتب محمد شقير في الشرق الأوسط:

فاجأ وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان الوسط السياسي اللبناني بتجاهله كلياً لأزمة تشكيل الحكومة، والقفز فوقها، بخلاف رهان القيادات اللبنانية التي التقاها في لقاءات بروتوكولية على أهمية زيارته لبيروت، التي يُفترض أن تدفع باتجاه إخراجها من التأزُّم الذي لا يزال يحاصرها بسبب استمرار تبادل الشروط التي تؤخر ولادتها.

فلودريان أغفل أي حديث عن أزمة تشكيل الحكومة، معتبراً، كما نُقل عنه لـ«الشرق الأوسط»، أنها ليست مدرجة على جدول أعماله الذي يقع في بند وحيد يتعلق بتجديد تضامن فرنسا مع الشعب اللبناني ووقوفها إلى جانبه، واستعدادها لتقديم المزيد من المساعدات في مواجهته لمشكلاته الاجتماعية والاقتصادية، والوقوف على ما يحتاج إليه لتحسين ظروفه المعيشية، وهذا ما بحثه مطوّلاً في لقاءاته التي عقدها مع هيئات المجتمع المدني والجمعيات المولجة برعاية المحتاجين، بعد أن تجاوز عددهم أكثر من نصف الشعب اللبناني.

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر مواكبة للقاءات لودريان أن تغريدته عبر «تويتر» التي سبقت وصوله بساعات شكّلت الإطار العام للقاءاته سواء لجهة تضامن فرنسا مع اللبنانيين في مجال التعليم والطبابة والآثار أو لجهة رسالته شديدة اللهجة الموجّهة إلى المسؤولين اللبنانيين، التي تنمّ عن أن باريس وضعت التدابير والإجراءات التي تستهدف معرقلي تشكيل الحكومة أو من يثبت ضلوعهم في الفساد على نار حامية، ويُفترض أن تصبح مفاعيلها سارية في أي لحظة.

وكشفت المصادر أن لودريان شدد في معرض حديثه عن الإجراءات على أن باريس لن تبادر إلى اتخاذها منفردة، وإنما بالتنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا، وقالت إن البيان الإعلامي الذي صدر عن رئاسة الجمهورية لا يعكس إلى حد كبير الأمور التي نوقشت بين لودريان وعون، بمقدار ما يتعلق بما قاله الأخير في اللقاء.

ولفتت المصادر نفسها إلى أن لودريان لم يكن مضطراً للمجيء إلى بيروت ليتولى من منابرها نعي المبادرة الفرنسية، وكان في وسعه أن ينعيها من باريس، لكنه أصر على المجيء للبنان لتحميل الطبقة السياسية مسؤولية التفلُّت من التعهدات التي قطعها جميع الذين التقاهم الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الصنوبر، في زيارته الثانية لبيروت بعد مرور شهر ونيف على انفجار المرفأ في 4 أغسطس (آب) 2020 بضرورة الإسراع بتشكيل حكومة مهمة خلال أسابيع.

وأكدت أن لودريان جزم في لقاءاته بأن المبادرة الفرنسية ما زالت قائمة، وحمّل الطبقة السياسية مسؤولية التفلُّت من التزاماتها، ما أوقع لبنان في انهيار شامل. وقالت إنه تجنّب التدخل في كل ما يتعلق بتأخير تشكيل الحكومة، معتبراً أن تأخيرها ناجم عن مشكلة داخلية، وهي ضحية التجاذبات القائمة بين أطراف المنظومة السياسية، مع أن باريس بذلت كل جهد لمساعدة هذه القوى لتجاوز خلافاتها، لكن عبثاً تحاول، وبالتالي يتحملون مسؤولية الأزمة الحاصلة في البلد لتخلفهم عن الالتزام بتعهداتهم للانتقال بلبنان من التأزُّم إلى الانفراج بمساعدة المجتمع الدولي شرط التزام الحكومة ببرنامج إصلاحي واضح يفتح الباب أمام طلب المساعدة المالية والاقتصادية من المجتمع الدولي.

وسأل لودريان – بحسب المصادر – كيف تطلبون منا مساعدة لبنان ونحن بادرنا إلى مساعدته، لكن ما يعيق إنقاذه يكمن في أن الطبقة السياسية ما زالت تمعن في تبادل رمي المسؤولية على هذا الفريق أو ذاك بدلاً من أن تبادر إلى مساعدة لبنان ليقوم المجتمع الدولي بمساعدته؟

وأكد لودريان، بحسب ما نُقل عنه في لقاءاته مع ممثلي المجتمع المدني في قصر الصنوبر، أن فرنسا لن تترك لبنان، وأن فريقاً فرنسياً يقيم حالياً في بيروت يتواصل مع هيئات المجتمع المدني للوقوف على احتياجات اللبنانيين تمهيداً لتأمينها، وقال إن فرنسا ملتزمة كما أعلن سابقاً الرئيس ماكرون بالمطالب التي رفعها الحراك المدني في انتفاضته الشعبية في 17 تشرين الأول أكتوبر (تشرين الأول) 2019. وتدعو بإلحاح للاستجابة لمطالبهم وتطلعاتهم بتحقيق الإصلاح السياسي والإداري ومكافحة الهدر وسوء استخدام المال العام.

لذلك فإن حضور لودريان إلى بيروت لم يكن على وجه السرعة، إلا لتوجيه رسائل «نارية» للطبقة السياسية بأن التدابير والإجراءات التي سبق له وأعلن عنها ليست بهدف التهويل، وإنما سترى النور في وقت قريب من جهة، وأن مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة تقع على عاتقها بعد أن أقفل من يلتحق بهذه الطبقة الأبواب أمام الجهود الفرنسية لإزالة العقبات التي تعيق تشكيلها مع أنها تبقى ثانوية ولا مبرر لها، ما دام لبنان يتدحرج بسرعة نحو السقوط النهائي.

لكن الرسالة الأهم تبقى في احتضان فرنسا للجمعيات والمؤسسات المنتمية إلى المجتمع المدني، في محاولة لتزويدها بلقاح سياسي يمكّنها من مواصلة انتفاضاتها ضد المنظومة الحاكمة، خصوصاً أن من التقاهم لودريان لم يجدوا الوقت الكافي، أو معظمهم على الأقل، للدفاع عن أنفسهم أمام تحميلهم مسؤولية التمادي في قطع الهواء عن لبنان ليستعيد دوره المتوسطي.

وباختصار، فإن لودريان حضر إلى بيروت ليعيد «كرة النار» إلى حضن المنظومة الحاكمة؛ فهل تبادر إلى إطفاء ناره ومحاصرته قبل أن تأتي على آخر ما تبقى من معالم الدولة؟