Site icon IMLebanon

العوارض النفسية لالتهاب الأمعاء المزمن

كتب د. أنطوان الشرتوني في “الجمهورية”: 

كل سنة، يعتبر شهر أيار شهر التوعية حول التهاب الأمعاء IBD، وهو مصطلح شامل يستخدم لوصف الاضطرابات التي تتضمّن الالتهاب المزمن الذي يصيب القناة الهضميّة. ويتضمّن التهاب القولون التقرّحي، المسبِّب لالتهابات وخراجات (قرح) طويلة الأمد تُصيبُ البطانة الأكثر عمقاً والأمعاء الغليظة أو ما تعرف بالقولون المستقيم. كما يتضمن داء الكرون. يتسبّب هذا النوع من التهاب الأمعاء التهاب بطانة القناة الهضميّة، وغالباً ما ينتشر بعمق في الأنسجة المصابة. وهذا الاضطراب الفيزيولوجي له علاقة مباشرة بالحالة النفسية للمريض. فما الأعراض الطبية لإلتهاب الإمعاء، وما أسباب ظهوره؟ وما الأسباب النفسية التي يمكن أن تسبب هذا الاضطراب الجسدي؟

يعاني ملايين الأشخاص حول العالم اضطراباً له علاقة بالمعدة والقولون والقناة الهضمية. للتحدث عن هذا الموضوع وعلاقته بالحالة النفسية، أجرت مكاتب «الجمهورية» مقابلة مع الآنسة ناتالي الجبيلي، رئيسة الجمعية اللبنانية لداء التهاب الأمعاء المزمن، وأخصائية في المتابعة النفس-جسدية ومعالِجة نفسية.

عوارض التهاب الأمعاء

بحسب الآنسة الجبيلي، من عوارض التهاب القولون التّقرّحي وداء كرون الإسهال الشّديد، ألم البطن وتشنّجه، التّعب، الحمى، الإرهاق، الدّم في البراز، فقدان الشّهيّة، وفقدان الوزن بدون سبب واضح. كما يؤدّي هذا المرض في بعض الأحيان إلى مضاعفات تهدّد الحياة. وتختلف أعراض مرض التهاب الأمعاء من حيث شدّة الالتهاب وموضع الإصابة، وقد تتراوح بين خفيفة وشديدة. وتضيف الجبيلي أن فترات نشاط المرض يمكن أن تتبعها فترات سكونه.

ما أسباب ظهوره؟

تفسّر المعالجة النفسية المتخصصة بالمتابعة النفس-جسدية ناتالي الجبيلي أنه لا يزال السّبب الدّقيق لأمراض التهاب الأمعاء مجهولاً. في السّابق، كان يشتبه في النظام الغذائيّ والإجهاد، لكن أدركَ الأطبّاء الآن أنّ هذه العوامل قد تفاقم الحالة، ولكنّها لا تسبّب أمراض الأمعاء الالتهابيّة. أحد الأسباب المحتملة وجود خلل وظيفيّ في الجهاز المناعيّ، أي عندما يحاول الجهاز المناعي محاربة فيروس أو بكتيريا تغزو الجسم، تدفع الاستجابات المناعيّة غير الطبيعيّة الجهازَ المناعيّ إلى مهاجمة الخلايا الموجودة في الجهاز الهضميّ أيضاً، كما يبدو أنّ الوراثة تؤدي دوراً في الإصابة.

العوارض النفسية لالتهاب الأمعاء المزمن

تشير الأبحاث إلى أنّ الأمعاء والدّماغ مرتبطان من خلال محور الأمعاء، وأنّ التّوتّر قد يزيد الأعراض سوءاً.

عندما يعاني المريض «الكرون» أو التهاب القولون التقرّحي، لا تتأثر الصحة الجسديّة فحسب، بل النفسية أيضاً، بسبب الألم المتكرّر وعدم القدرة على تنبُّؤ الآتي والقلق الذي يرافق مرض التهاب الأمعاء.

يقول ستيفن لوبي، طبيب نفسيّ ومتخصّص في أمراض الجهاز الهضميّ: «من المفهوم جيّداً أنه بالرّغم من أنّ التوتّر لا يسبّب مرض التهاب الأمعاء، إلّا أنّهُ يساهم بالتّأكيد في زيادة الأعراض وظهورها».

وأوضح أنّ المرضى، أثناء محاولتهم التعامل مع المرض، يزداد لديهم الاكتئاب والقلق والتوتر. وأظهرت الدّراسات أنّ الأشخاص الذين يعانون مرض التهاب الأمعاء هم أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب من الأشخاص الذين لا يعانون منه. وفي بعض الأحيان، يتوقّعُ الأشخاص الذين يعانون الألم الشّعور به قبل حدوثه، فيتوقّفون عن فعل الأشياء تحسُّباً له، كالتّوقّف عن الأكل، أو الامتناع عن الخروج، وحياتهم تصبح أضيق وأضيق، ممّا يعزز في كثير من الأحيان تطوّر القلق أو الاكتئاب.

ولكن لا تتوقّف المعاناة النفسيّة على القلق والكآبة فقط، فمريض التهاب الأمعاء المزمن يعاني أيضاً الشعور بالذّنب الناتج عن التفكير أنّ المرض سببه شيء فعَله، ولكن هذا ليس صحيحاً، وليس هناك شيء يمكن أن يكون قد فعله أو كان يمكن تجنّب القيام به لتجنُّب ذلك المرض. والشعور بالذنب موجود أيضاً لأنّ المريض ممكن أن يصبح معتمداً جدّاً على العائلة بسبب طبيعة أعراض المرض المعيقة والمتعِبة.

أكثر ما يؤثّر نفسيًاً على المريض وصمة العار التي تحيط بأعراض المرض، لأنّها تتناول أكثر المواضيع حساسيّة، بسبب التصاق موضوع البراز بالوساخة، وعدم القدرة على التعبير بسبب الشّعور بالعار، ما يضع المريض في موقف عزلة يُشعره بالوحدة الشّديدة.

وتضيف ناتالي الجبيلي أن الشّباب يتأثرون أكثر من كبار السنّ. فمن المفترض مثلاً في عُمر المراهقة أن يُصبح الفرد أكثر اسْتقلاليّة كجزء من النّضج الطبيعيّ، فيما قد يفرض هذا المرض الاعتماد على الأسرة، والأطباء، أو نظام رعاية صحيّة، وهذا الأمر صعب للغاية بالنسبة للمراهقين. لذلك، ليس من المستغرب أنّ الصّعوبات العاطفيّة، وبخاصةٍ إنكار المرض، أكثر شيوعاً في الفئات العمريّة الأصغر سناً منها بين كبار السّن. إذا ليس من المستغرب أن يجد بعض المرضى صعوبة في التعامل مع مرض خطير ومزمن، كمرض التهابات الأمعاء، الذي يشكل خطراً على نوعية حياتهم المتصلة بالصحة، بما في ذلك رفاههم البدني والعاطفي ونشاطهم الاجتماعي، وحتى مفاهيمهم الذاتية.

كيف نساعد المريض نفسياً؟

تضيف المعالجة النفسية الجبيلي أنّه من المهمّ للمريض العمل على طرق تحسين الاستجابة النفسيّة. وهذا يتمّ بشكل فرديّ أو مع العائلة أو الأصدقاء، أو الطبيب، أو أخصائيّ الصحّة النفسيّة. كما يمكن اللجوء إلى مختلف الاستراتيجيات لمساعدة المرضى على التّعامل مع المرض والأعراض النفسيّة المُصاحبة له:

– السعي للحصول على علاج فعال مرتبط بنوع المرض وشدّته، وبالتالي، الحاجة إلى علاقة وثيقة مع طبيب مختصّ، ما يجعل التعامل بفعالية مع أي مضاعفات ممكن.

– مساعدة المريض على تقبل التغيرات الجسدية التي يفرضها عليه المرض وعدم الحد من دوره الاجتماعي وعدم معاملته فقط كشخص مريض أو غير قادر، كي يتأقلم مع فترات المرض ويحافظ على هويته الشخصية (عمل، حياة اجتماعية، عائلة…).

– إنضمام المريض لجمعية تعنى بأمور المريض، ما سيسمح له بالتعبير عن معاناته من دون الخوف من نظرة الآخر أو أحكامه تجاهه. وهذا بحد ذاته يخرج المريض من قوقعته لأنه يشعره بالأمان، وأنه ليس وحيداً في معاناته.

– إعطاء المريض أدوات تساعده على إدارة الضّغوطات النّفسيّة كتمارين الاسترخاء، وتمارين التّنفّس.

دور العائلة والمدرسة والمجتمع

وتشير رئيسة الجمعية اللبنانية لإلتهاب الأمعاء المزمن الآنسة ناتالي الجبيلي الى أنه على المريض وذويه قبول التعامل مع المرض بطريقة مباشرة، ما يسهّل للأصدقاء والعائلة تقبّلهم للمرض كجزء من علاقتهم مع المريض. فالعائلة هي المصدر الرئيسيّ للمساندة النّفسيّة. ويجدر تثقيف المجتمع حول هذا المرض من خلال حملات توعية على وسائل الاعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي، كي يتفهموا المشاكل والصعاب التي يمر بها المريض. بهذه الطريقة، نستطيع أن نخفف من عبء المريض، فبتفَهّم أفراد المجتمع لهذا المرض، يستطيع المصاب أن يقضي حياته نوعاً ما بطريقة عادية، بعيداً عن الإحراج والشعور بالذنب.