كتبت ايفا ابي حيدر في “الجمهورية”:
بدأت ملامح مرحلة جديدة تلوح سيكون فيها الاعلان عن انتهاء الدعم حداً فاصلاً، فالقطاعات التي كانت مدعومة بدأت تحتاط للأيام المقبلة حفاظاً على رأسمالها. وبالنتيجة، يبقى المستهلك المتضرر الوحيد خصوصاً انّ سعر الصرف في السوق السوداء بدأ بالتحرّك استعداداً للتحليق بلا سقوف.
صحيح انّ النقابيين المعنيين بالقطاعات التي حظيت بدعم مصرف لبنان أعلنوا تباعاً انّ الدعم لم يرفع بعد وانهم لم يتبلغوا رسمياً بتوقفه، الّا انّ الاحتراز من تداعيات رفع الدعم وجنون ارتفاع الاسعار واضح للعيان، فالواقع على الارض مغاير للتصريحات، والمشهد كالتالي: طوابير امام محطات المحروقات علماً انّ غالبيتها رفعت خراطيمها وطوّقت محيط مضخاتها بالاشرطة الحمراء، ورغم ذلك يؤكد كلٌ من عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البركس وممثل موزعي المحروقات فادي ابو شقرا، انهما لم يتبلغا من اي مصدر رسمي، اكان حكومياً او من مصرف لبنان، اي تعديل بطريقة تسلمهما المحروقات من قبل الشركات المستوردة. ويستند الطرفان في تأكيدهما هذا على ما أبلغهم به رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب خلال اجتماعه معهم، أنه «لا رفع للدعم من دون بطاقة تمويلية. وعَزا المصدران التهافت الحاصل على محطات البنزين الى نتيجة شائعات في شأن موضوع رفع الدعم، وأوضحا أنّ «الأزمة وقعت لأنّ بعض محطّات المحروقات لا يملك مخزوناً كافياً».
أما شراء الادوية فهو شبيه برحلة سندباد لأنّ غالبية الادوية مفقودة حتى ان بعض اصحاب الصيدليات يؤكدون انهم لم يستلموا الادوية من التجار هذا الشهر، ويؤكدون ان الادوية متوفرة الّا ان المستوردين يُحجمون او يتريثون بالتوزيع، خصوصاً انّ رفع الدعم اقترب، ليطرحوها لاحقاً بأسعار جديدة. في السياق، يقول نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة في تصريح أنه لم يُبلّغ من قبل أي جهة رسمية انه سيتم وقف الدعم في أول حزيران، ويوضح أن الخطة الوحيدة الموضوعة على الطاولة هي التي تقتضي رفع الدعم عن أدوية الـOTC، اما ادوية الأمراض المزمنة فلا آلية لإلغاء الدعم عنها. وأكّد أن رفع الدعم عن الأدوية لن يحصل بطريقة عشوائية خصوصاً أن سعره ليس حراً.
قطاع المواد الغذائية يواجه الأزمة نفسها، ويبدو حتى الساعة ان قطاع الدواجن هو القطاع الوحيد الذي تبلّغ برفع الدعم، فرئيس النقابة اللبنانية للدواجن موسى فريجي يؤكد، وفق تصريح، انّ عدداً من التجار تبلّغ من وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمه انه غير قادر على توقيع طلبات جديدة، باعتبار انّ مصرف لبنان أبلغه الا يرسل اليه طلبات مجدداً لأن الطلبات القديمة لم يبتّ فيها بعد. وبنتيجة هذا الواقع، لوحظ فقدان الدجاج من غالبية المحلات والسوبرماركت نهاية الاسبوع، وإذا ما وجد تكون أسعاره مرتفعة.
في السياق نفسه، أكد نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي ان الوضع سيئ فنحن قادمون على انفجار اجتماعي سيسبّبه رفع صرف الدولار، واعتبر ان أمّ المعارك هي القدرة على جلب دولار من الخارج.
نتيجة هذا الواقع والمشاهدات على الارض يبدو واضحا ان لبنان دخل مرحلة انتقالية ومفصلية، لأنّ هناك اياماً قليلة متبقية قبل اسدال الستارة على الدعم ليدخل بعدها لبنان مرحلة جديدة، أقل ما يقال فيها انها حفلة جنون اسعار وذل وفقدان لأبسط مقومات الحياة.
بالتوازي، تحرّك سعر الصرف في السوق السوداء بعد ثبات دام لاسابيع ما بين 12 الف ليرة و12400 ليرة، فقد شهدت نهاية الاسبوع ارتفاعا في سعر الدولار مقابل الليرة وصل الى 12800 ليرة، فهل استنفدت مكابح انهيار الليرة اللبنانية؟ وهل من سقوف متوقعه للانهيار؟
في السياق، يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية والمالية د.محمد فاعور لـ”الجمهورية”: من الصعب الجزم اذا ما كانت هناك علاقة بين الحديث عن رفع الدعم وتحرّك سعر الدولار في السوق السوداء ولكن هذا الارتفاع هو نتيجة حتمية لرفع الدعم، بحيث انه ما ان يرفع الدعم حتى يزيد سعر الدولار في السوق السوداء بشكل كبير. وأكد انّ مسار الدولار بدأ بالارتفاع ولا سقف لصعوده.
أضاف: صحيح انه لم يعلن رسمياً بعد عن رفع الدعم، لكن فعلياً ما عادت تفتح الاعتمادات لغرض الاستيراد لذلك يتحوّط التجار لمرحلة ما بعد الدعم.
وعما اذا كان هناك من رابط ما بين البطاقة التمويلية وسقف ارتفاع الدولار، قال: ان ذلك يعتمد على مصدر تمويل البطاقة التمويلية، فإذا كان من الاحتياطي الالزامي المتبقّي فمن شأن ذلك ان يزيد الضغط على سعر الصرف لأن ما تبقى من دولار سيتناقص.
وأوضح: في حال كانت العملة المعتمدة في البطاقة التمويلية هي الدولار اي إعطاء الناس الدولار، فمن شأن هذه الخطوة ان تخفف الضغط على الليرة بشكل طفيف. واستبعد ان تتمكن البطاقة التمويلية من لجم ارتفاع سعر الصرف الناتج عن رفع الدعم حتى لو أعطيت البطاقة بالدولار، فهي يمكن ان تخفّف من صعوده مقابل الليرة لكنها لن تلجمه عن الارتفاع.
وقال: المصيبة تهون في ما لو قرّر المصرف المركزي وقف دعم الدولار للتجار وبيعه لهم بسعر دولار السوق، لكن ما سيحصل هو تَرك التجار يؤمّنون دولار الاستيراد من السوق السوداء ما سيخلق ضغطاً على هذه السوق، وبالتالي سيكون الدولار مفقوداً في المرحلة المقبلة.
وختم: انّ مساهمة مصرف لبنان في المنصة او في البطاقة التمويلية ستكون محدودة جداً في ما يتعلق بالتخفيف من وتيرة انهيار سعر الصرف، نتيجة رفع الدعم واضطرار المستوردين للجوء الى السوق السوداء.