كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
بوفاة القاضي انطوان بريدي فقد المجلس الدستوري النصاب القانوني اللازم الذي يحتّم اجتماع ثمانية من أصل أعضائه العشرة، لعقد أي جلسة، وذلك بعد وفاة عضوين في وقت سابق هما القاضي الياس بو عيد والقاضي عبد الله شامي. وبالتالي، وبنصابٍ مفقود، لن يتمكن المجلس الدستوري من درس المراجعة والبتّ بالطعن المقدّم من “تكتل الجمهورية القوية” في السادس والعشرين من نيسان الفائت، لوقف العمل بقانون سلفة الخزينة والبالغة قيمتها 200 مليون دولار أو 300 مليار ليرة وفق السعر الرسمي للدولار لصالح مؤسسة كهرباء لبنان بذريعة الاقتطاع من الاحتياطي الإلزامي، ولو أنّ المجلس علّق في الرابع من أيار مفعول القانون المطعون به إلى حين البتّ فيه.
فهل ستحلّ العتمة أم ان ثمة مخرجاً قد يعيد العمل بقانون السلفة؟
في الواقع، عقد أكثر من اجتماع في وزارة المال بحثاً عن مخارج تقي اللبنانيين شرّ العتمة، ولو أنّها ستحلّ عاجلاً أم آجلاً لأسباب كثيرة ترتبط بالانهيار المالي والنقدي وبالحالة الإفلاسية التي جُرّت إليها مؤسسة كهرباء لبنان من جانب المنظومة السياسية ربطاً بمصالحها المكتومة في كواليس قطاع الطاقة والنفط والفيول، ولكن من دون جدوى… إلى أن تعطّل نصاب المجلس الدستوري فاتحاً الباب أمام فتوى قد تجعل قانون السلفة نافذاً بعد 26 الجاري، أي بعد مرور شهر على تقديم المراجعة، اذا لم يتمكن المجلس الدستوري من البتّ بالطعن، مع العلم أنّ المجلس، وفق المعلومات سيجتمع يوم الثلثاء لإبلاغ مجلس النواب بالشغور الحاصل. اذ وفق المادة الثانية من قانون إنشاء المجلس الدستوري، يعين مجلس النواب نصف عدد الأعضاء، أي خمسةً بالغالبية المطلقة، والنصفُ الآخر يعينه مجلس الوزراء بأكثرية ثُلُثي عدد أعضاء الحكومة. في هذه الاثناء، ستضطر مؤسسة كهرباء لبنان إلى اعتماد التقنين القاسي لتمرير المدة الفاصلة قبل أن يصبح القانون نافذاً من جديد لكي تتمكن وزارة الطاقة من تسديد كلفة البواخر الثلاث التي رست عليها مناقصات العقود الفورية.
ومع ذلك، فانّ طريق سلفة الـ200 مليون دولار لا تزال محفوفة بالمخاطر كونها ستدفع من دولارات مصرف لبنان الطازجة فيما الأخير راح يقفل “حنفية” الدعم وقد لا يتمكن من تأمين هذه السلفة التي يفترض أن تترافق أيضاً مع لائحة مطلوبات تريدها مؤسسة كهرباء لبنان من المصرف المركزي لتأمين حاجات الصيانة والتشغيل وباتت قيمتها حوالى 100 مليون دولار بعد اعادة ترشيدها وتخفيض قيمتها من حوالى 400 مليون دولار، على أن تكون شركة البواخر التركية أول العقود المشطوبة من لائحة المستفيدين من دولارات مصرف لبنان الطازجة. يذكر هنا، أنّ الشركة التركية هددت يوم السبت بإغلاق محطتيها العائمتين واللتين توفران نحو خُمس التيار الكهربائي أي حوالى 400 ميغاوت وذلك على أثر طلب المدعي المالي القاضي علي ابراهيم منع الباخرتين من مغادرة المياه اللبنانية بسبب عمولات وسمسرات، فيما للشركة مستحقات على مؤسسة كهرباء لبنان تتجاوز قيمتها الـ100 مليون دولار والاتجاه هو لتسديدها بالعملة اللبنانية على أساس سعر الصرف الرسمي.
وعليه، فإنّ قطاع الطاقة يواجه أفقاً مسدوداً سواء دفعت السلفة أو علّقت، كون الأزمة هي نتاج سنوات من الإدارة السيئة لحكومات متعاقبة عملت على تدمير مؤسسة كهرباء لبنان وإفلاسها، من دون تنفيذ أي خطة متكاملة. وخلال الاجتماع الأخير للجنة الأشغال النيابية، خرج مدير عام المؤسسة كمال حايك عن صمته، كما يقول أحد المشاركين، ليقول بالفم الملآن إنّ المليارات التي تكبدتها الخزينة العامة في قطاع الكهرباء صرفت على كلفة الفيول ذلك لأنّ كل المشاريع التي نفذتها المؤسسة لم تتجاوز قيمتها الـ700 مليون دولار، فيما مُنعت من مساواتها بالمولدات الخاصة في ما خصّ تعرفة الكيلوات، التي كانت تتبدل تسعيرتها مع تبدّل الأكلاف وأسعار النفط عالمياً. إلا أنّ مؤسسة كهرباء لبنان، بقرار سياسي، أبقت منذ العام 1995 على تعرفتها المحددة بـ 8 سنتات، على أساس سعر برميل النفط 25 دولاراً، بينما تعرفة المولدات الخاصة بلغت في بعض الأحيان 35 سنتاً.
في هذا السياق تقول المحامية والخبيرة القانونية كريستينا أبي حيدر إنّ العتمة ليست صنيعة الطعن بقانون السلفة وإنما هي نتاج تراكم أزمات على مرّ السنوات، كون الحلول التي طرحت لم تهدف أبداً إلى معالجة القطاع، بسبب غياب الإرادة السياسية وطغيان المصالح والتنفيعات. ومع ذلك ترى أن ثمة حلولاً في الأفق يمكن الركون إليها لمعالجة القطاع وتبدأ على مستوى البلديات التي تدير مولدات خاصة والدفع باتجاه الاستثمار في الطاقة البديلة وتحديداً الطاقة الشمسية وذلك لكسر احتكار مؤسسة كهرباء لبنان وانتاج الطاقة ونقلها. وتشير إلى وجود مسودة مشروع قانون لانتاج الطاقة المتجددة الموزعة، ومنها الطاقة الشمسية وهي واحدة من أكثر الوسائل فعالية من حيث التكلفة لإنتاج الكهرباء وتعود بفوائد اقتصادية وبيئية واجتماعية كبيرة على الإقتصاد من خلال خفض الاعتماد على الفيول، وخلق المزيد من فرص العمل المحلية وتشجيع القطاع الخاص على المساهمة في انتاج طاقة نظيفة غير مكلفة يمكن الاعتماد عليها لسد الحاجة من دون أن ننسى القدرة المالية التي يتحلى بها هذا القطاع، لذلك لا بد من اقرار مسودة هذا القانون المفصل والذي يشبه القوانين المعمول بها في الدول المتقدمة في هذا المجال.