جاء في المركزية:
مختلفة هي الاسباب التي ادت الى فشل المبادرة الفرنسية الانقاذية والتي جاءت زيارة وزير الخارجية جان ايف لودريان الى بيروت لنعيها رسميا بعدما دق المعنيون بملف تشكيل الحكومة آخر مسمار في نعشها وساهمت القوى السياسية في اجهاضها قبل ان تولد.
لم تكن زيارة الدبلوماسي الفرنسي لإعادة ضخ الاوكسيجين في عروقها ولا لمحاولة اعادة احيائها قبل لفظ النفس الاخير، فهو منذ ما قبل حضوره الى لبنان اصدر ورقة النعي، لكنه حرص على اعلانها منه تحديدا لتحميل المسؤولين اللبنانيين المسؤولية كاملة عن اقترافاتهم في حق الوطن الصديق كما على ردّ الصاع صاعين لمن “طعن” برئيس دولته ايمانويل ماكرون من خلال الضرب عرض الحائط تعهدات قطعها له في السفارة الفرنسية ومعها هيبة ودور الرئيس الذي يخوض قريبا استحقاقا رئاسيا بالغ الاهمية بالنسبة اليه.
اخفاق المبادرة تتحمل 95 في المئة منه الطبقة السياسية اللبنانية التي تقف خلف العرقلة غير آبهة بمصير البلاد والعباد، لكن الدولة الفرنسية ورئيسها، بحسب ما تقول اوساط سياسية معارضة لـ”المركزية” لم تبذل الجهد الكافي لوضعها موضع التنفيذ بحيث استعملت علاجا موضعيا ولم تعالج مكمن العلة الحقيقية التي يعرف القاصي والداني انها خارج الحدود اللبنانية ومرتبطة بالنزاع الاقليمي بين ايران والسعودية وبالملف النووي، اذ تستخدم طهران بيروت ورقة في مفاوضاتها مع الطرفين. وعوض ان توظف باريس ما تملك من ملفات لممارسة الضغط في الاتجاه الايراني، للافراج عن حكومة لبنان المخطوفة، واخراجها من بازار النزاعات الاقليمية، فضلت ان تقدم مصالحها وما يربطها من علاقات وصفقات مع الجانب الايراني، تاركة الجوهر ومكتفية بالثانوي.
وتضيف، ان فرنسا تدرك تماما ان ما أوصل لبنان الى حاله هذه من التخبط والانهيار والمصير المشؤوم هو الخيار الذي انتهجه العهد الحالي من خلال اللحاق بركب حزب الله ومشاريعه العابرة للحدود، وقد قضت على مستقبل لبنان واحلام ابنائه لمصلحة نظام الولي الفقيه. وعلى رغم معرفتها، بقيت تتصرف على قاعدة تحميل الجميع مسؤولية ما يحصل من دون ان تشير حتى اللحظة بالاسم الى المعرقلين والمتسببين بهذا الكمّ من الاذى للبنانيين، وعوض ان تضع المرهم على الجرح وتكشف الحقائق بقيت تدور في الفلك الضبابي، فلا تحركت بالقدر الكافي في الاتجاه الايراني ولا اتخذت بعد 9 اشهر على انفجار المرفأ الكارثي وزيارة الرئيس ماكرون اجراء واحدا في حق من يتحمل المسؤولية عن كل ما جرى ويجري.
وتعتبر الاوساط ان تجاهل لودريان المسؤولين السياسيين والتركيز على مجموعات المجتمع المدني والثورة كقوة تغييرية بديلة من الطبقة السياسية الحاكمة التي خيبت امال فرنسا واثبتت عدم جدارتها في تحمل مسؤولية ادارة البلاد ومنعها من الانهيار، هو مجرد رسالة لا مفاعيل عملية لها، خصوصا ان التجربة اثبتت ان هذه القوى غير قادرة على احراز التغيير المنشود في ظل هيمنة حزب الله على الدولة وقراراتها وخيارات العهد السياسية المؤيدة التي ربطت مصير لبنان بأجندة ايران.
المطلوب إن ارادت فرنسا او اي دولة اخرى مساعدة لبنان قبل زواله عن خريطة العالم، وظيفة واحدة لا غير، فك اسره ورهنه لطهران من خلال سطوة سلاح حزب الله، بقرار دولي كبير، على غرار العام 2006 حينما خرج الجيش السوري من لبنان وكل ما عدا ذلك مضيعة للوقت.