كتب غاصب المختار في “اللواء”:
بإنتظار بلورة نتائج زيارة وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان وتقييمها من كل النواحي، ومدى تأثيرها على ملف تشكيل الحكومة إيجاباً او إعتذاراً للرئيس سعد الحريري، ينحدر البلد الى مزيد من الانهيار على كل الصعد، وتتكدّر أكثر حياة اللبنانيين اليومية، بينما رئيس حكومة تصريف الاعمال الدكتور حسان دياب يلعب في الوقت الضائع، بكثير من الاجتماعات الوزارية واللقاءات غير المنتجة، بل والتي تشهد خلافات وتخبطاً وعدم استقرار على رأي او توجه، ويمسك بيده مفتاح إنعقاد مجلس الوزراء ولا يفتحه للجلسات للبحث في كل الامور التي يمكن ان تجد متنفسا وحلا ولو لمشكلة واحدة، بحجة دستورية أن حكومته مستقيلة وهي بحالة تصريف اعمال بالحد الادنى ولا يمكن ان تتخذ قراراً، بينما حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اجتمعت مرتين وهي في حالة تصريف اعمال واتخذت قرارات في مواضيع اقل أهمية مما يحصل الآن للبلاد والعباد، وثمة سوابق كثيرة في هذا المجال.
يرفض الرئيس دياب حتى الآن عقد جلسة لمجلس الوزراء لمناقشة وإقرار الموازنة العامة 2021. ويرفض عقد جلسة للبحث في تعديل مرسوم الحدود البحرية. ويرفض عقد جلسة لبحث وإقرار البطاقة التمويلية. ويرفض عقد جلسة لبحث دعم السلع الغذائية والاساسية. وجلسة لبحث ملف الكهرباء من كل جوانبه، وقبل ذلك رفض عقد جلسات للبحث في امور مصيرية مالية ونقدية ومصرفية وحياتية وصحية وبيئية وامنية.
والآن امام دياب الاستحقاق الأقرب في 28 من الشهر الحالي، فراغ السلطة القضائية بإنتهاء ولاية الأعضاء غير الحكميين السبعة في مجلس القضاء الاعلى، ما يفترض التفاهم في مجلس الوزراء على البديل لخمسة منهم لتصدر التعيينات بمرسوم عادي عن وزير العدل، فيما الغرف العشر في محكمة التمييز التي تنتخب العضوين غير الحكميين الآخرين تفتقد ستة اعضاء لا بد من تعيينهم، لأنه لا يمكن استمرار المنتهية ولايتهم في عملهم بحكم تسيير المرفق العام. علماً ان مجلس القضاء فقد عضوين مؤخراً بالتقاعد (ميشال طرزي وجوزيف سماحة). وهناك عضو ثالث مُحال على المجلس التأديبي وقدم استقالته. ما يعني شلل المجلس وعدم قدرته على الاجتماع او اتخاذ اي قرار وامامه بعد التشكيلات القضائية النائمة في الادراج بسبب عدم التوافق السياسي عليها، عدا عدم القدرة على محاسبة القضاة على مخالفاتهم لو وجِدت.
كذلك توفي امس الأول، احد قضاة المجلس الدستوري وهو القاضي انطوان بريدي، ما يجعل نصاب المجلس ساقطاً بحكم وفاة قاضيين آخرين سابقاً هما القاضي الياس بو عيد والقاضي عبد الله شامي، فالنصاب القانوني لأي اجتماع يفترض ثمانية اعضاء من اصل عشرة، ما يحول دون بت المجلس بما يوجد امامه من طعون ولا بد من تعيين البدائل.
فإذا كانت كل هذه المواضيع لا تستأهل عقد جلسات لمجلس الوزراء، وهي تتعلق بمصير البلد واهله وماليته وسمعته الخارجية ودوره الاقليمي وحماية حدوده، فأي مواضيع برأي دولته تستأهل عقد جلسة. البلد مفلس ومنهار والشعب يئن من الغلاء والسرقات والنهب، والحدود سائبة للتهريب، والمؤسسات الرسمية مربكة وشبه مشلولة، والنفايات تغزو البحر والبر، وهناك عدد من الوزراء في حالة كوما غائبين تماماً عن متابعة شؤون وزاراتهم، والبعض منهم يتصرف كأنه في مملكة خاصة يتخذ قرارات تتعلق بمصير الناس وهو في برج عاجي لا يشعر بمعاناة الفقراء، بينما لا يمكن وضع حدّ لهذا التسيّب والضياع بلا جلسات لمجلس الوزراء تضبط ايقاع عمل الوزراء وتصحح البوصلة وتتخذ القرارات السليمة لا الارتجالية المتسرعة.
برأي الكثيرين ان تمنّع دياب عن عقد الجلسات سياسي اكثر منه دستوري، ولهم تفسيرات كثيرة لتمنّعه السياسي. البعض يقول انه يخشى غضب المرجعيات السنّية لا سيما نادي رؤساء الحكومات السابقين، اذا قام بتفعيل مجلس الوزراء، لأنهم يعتبرون تفعيل الحكومة عاملاً مؤخراً اكثر لتشكيل الحكومة الجديدة، مع ان هذا السبب غير منطقي، فمتى حصل التوافق السياسي تتشكل الحكومة حتى لو كانت الحكومة المستقيلة في حالة التفعيل لا التعطيل.
ومنهم من يرى ان دياب يريد ان يرد على من سحب البساط من تحت قدميه وضغط على الحكومة وعليه للإستقالة، و«ليقلعوا شوكهم بايدهم».
مهما كانت الاسباب، فإن وضع البلد لايحتمل مزيداً من المماطلة في اتخاذ القرارات المصيرية المهمة، ولا يحتمل هذه البيروقراطية القاتلة في الاداء. فتحمّل دولة الرئيس مسؤولياتك الوطنية والتاريخية.