Site icon IMLebanon

“المالية” تُعدّل أرقام الموازنة: العجز 5.35 ألف مليار

كتب إيلي الفرزلي في الأخبار:

في المسودة الأخيرة من الموازنة تراجع عدد المواد من 111 إلى 98 مادة، بعد إلغاء ثلاث مواد كانت شهدت اعتراضات قطاعية كبيرة، مثل السماح للمؤسسات بتقسيط اشتراكات الضمان أو توحيد منح التعليم في القطاع العام. كذلك فإن مواد عدة تم تعديلها، فيما أصرت وزارة المال على موقفها من مواد أخرى كانت هناك مطالبات بإلغائها. لكن التعديل الأبرز طال أرقام الموازنة نفسها التي ارتفعت من 18.259 ألف مليار ليرة إلى 18.777 ألف مليار ليرة، ما أدى إلى زيادة العجز 670 مليار ليرة.

البلد في واد والحكومة في واد آخر. لمن لا يعرف، لا يزال الوزراء يدرسون مشروع موازنة 2021. بهدوء شديد تطير ملاحظاتهم إلى السراي الحكومية ومنها إلى وزير المالية. يأخذ الأخير ما يحلو له منها ويرمي ما لا يعجبه، على قاعدة أن إعداد الموازنة من صلاحياته، قبل أن يعيدها مجدداً إلى رئاسة الحكومة، التي تنقلها مرة أخرى إلى الوزراء، منتظرة ملاحظاتهم من جديد، من دون أن يتضح ما إذا كانت ستعيد المسار نفسه.

كل هذه المراحل وكل تضييع الوقت سببه واحد: رفض رئيس الحكومة حسان دياب انعقاد مجلس الوزراء. كانت الفكرة من وراء التبادل الجوّال للملاحظات، أن رئيس الحكومة قد يوافق على عقد جلسة واحدة أو اثنتين لإقرار الموازنة بشكلها النهائي، لكنه لن يدخل في نفق فتح المجال أمام عقد اجتماعات مفتوحة حتى الانتهاء من المشروع. المفارقة أنه اليوم، على ما يتردد، قد لا يكون مستعداً حتى لعقد جلسة واحدة. تعتبر مصادر معنية أن رئيس الحكومة ربما يخشى أن يفتح على نفسه باباً لا يغلق، خصوصاً أن رئيس الجمهورية سبق أن طالب بانعقاد الحكومة للبت بأكثر من ملف، منها مرسوم ترسيم الحدود البحرية، من دون أن يلقى استجابة.

أمام هذه الوقائع، فإن كل طرف يعتقد أنه يقوم بدوره في لعبة شراء الوقت، التي لا أحد يعرف نهاية لها. وعلى هذا المنوال، كان آخر تطورات مشروع الموازنة أن وزير المالية أعاد المشروع إلى رئاسة مجلس الوزراء في الرابع من أيار الجاري، آخذاً ببعض الملاحظات التي سبق أن تلقاها من رئاسة الحكومة في 19 آذار الماضي (تشمل ملاحظات رئاسة الجمهورية، الوزارات والمؤسسات العامة والأجهزة الأمنية، ومجلس شورى الدولة).

في النسخة الأخيرة من المشروع، زاد وزير المالية مجموع أرقام الموازنة من 18 ألفاً و259 مليار ليرة إلى 18 ألفاً و777 مليار ليرة. وأدى ذلك إلى ارتفاع تقدير العجز في الموازنة من 4.68 ألف مليار إلى 5.35 ألف مليار.

لكن تعديل الأرقام لا يعني شيئاً في موازنة مبنية برمّتها على أرقام وتوقّعات غير دقيقة. ولذلك، ركّزت الملاحظات التي قدمت لـ«المالية» على مدى واقعية أرقام الموازنة التي حُضّرت على أساس سعر صرف 1500 ليرة للدولار، لتخلص إلى أن «الإنفاق الفعلي من خارج بند الرواتب والأجور ومعاشات التقاعد وخدمة الدين (أي ما يوازي 30 في المئة من مجمل نفقات الموازنة) قد يرتفع بأضعاف عما هو متوقع في مشروع الموازنة». أما الإيرادات فستكون بدورها صعبة التحقيق في ظل الركود الاقتصادي ونسب النمو السلبية وإقفال العديد من المؤسسات الخاصة وعدم قدرة المكلّفين على تسديد الضرائب والرسوم.

كل هذه الملاحظات لم يهتم لها وزير المالية، على اعتبار أنه يحضّر موازنة بالمعطيات المتوفرة وبالحد الأدنى من الإنفاق، لكن بالرغم من ذلك وصل العجز إلى 3.5 مليار دولار، ليس واضحاً كيف يمكن تأمينها حتى مع افتراض أنها لن تزيد بشكل كبير، نظراً لسوء تقدير النفقات ربطاً بسعر الدولار، وسوء تقدير الإيرادات ربطاً بانخفاض النشاط التجاري.

بالمحصلة، فإن مشروع الموازنة لم يعد هو نفسه. المسودة الأخيرة تظهر أن «المالية» اهتمت ببعض التعديلات وأغفلت بعضها الآخر. وفي ما يلي أبرز المواد التي طالها التعديل أو التي أصرت الوزارة عليها، رغم الملاحظات القانونية والقطاعية:

– لم يأخذ وزير المالية بالملاحظات الأساسية المتعلقة بالمادة 22 التي تشير إلى تنزيل 100 في المئة من غرامات التحقّق وغرامات التحصيل للمخالفات التي تلت تاريخ 1/10/2019 و90 في المئة على المخالفات السابقة لهذا التاريخ. فالملاحظات اعتبرت أن «هذا النوع من الإعفاءات، على الرغم من أنه قد يؤمّن السيولة للدولة، إلا أنه قد يؤدي أيضاً إلى حرمان الخزينة من مبالغ مالية كبيرة كانت مستحقة على المكلّفين، كما يُشجع المواطنين على عدم الالتزام الضريبي. ولأن التنزيل المقترح يطال أيضاً الغرامات المترتبة على اشتراكات الضمان الاجتماعي، طلبت إدارة الضمان حذف هذا التنزيل، انطلاقاً من أن «أحكام الإعفاء من هذه المخالفات واردة في مواد أخرى ما يُسبّب تعارضاً في تطبيق أحكام هذه المواد».

– واحدة من المواد التي رافقها كثير من الجدل هي المادة 28، التي تجيز إجراء إعادة تقييم استثنائية للأصول الثابتة للمكلّفين بضريبة الدخل، ضمن مهلة تنتهي في 30/6/2021 على أن تخضع الفروقات الإيجابية لضريبة نسبية بمعدل 3 في المئة… لكن وزير المالية لم يأخذ بأي من الملاحظات المنقولة عن «الفعاليات الاقتصادية» المطالبة بتخفيض النسبة إلى 1.5 في المئة. كما لم يأخذ باقتراح وزارة الصناعة تمديد المهلة المعطاة لإجراء إعادة التقييم حتى نهاية العام، على أن يتم إخضاع الفروقات الإيجابية للمكلّفين الصناعيين بنسبة 1 في المئة عوضاً عن 3 في المئة.

لكن في المقابل، تم الأخذ بملاحظة مجلس الشورى التي تقترح تعيين خبراء مختصين إلى جانب خبراء التخمين العقاري.

– المادة 29 تنص على أنه في حال تخفيض الرواتب وملحقاتها يتم احتساب الضريبة على الرواتب والأجور على أساس المبلغ المخفّض وليس على قيمتها الإسمية. وقد أشارت الملاحظات المقدّمة من وزارة العمل إلى أن هذه المادة قد تفسّر بالموافقة على تخفيض رواتب الموظفين في حين أن الوزارة أصدرت في بداية العام تحذيراً إلى أصحاب العمل من تخفيض أجور الموظفين من دون مبرر قانوني أو من دون تخفيض لساعات العمل. ولكن التعديل الذي أجراه وزير المالية أبقى عملياً على التعامل مع مسألة تخفيض الراتب كأمر واقع، رابطاً ذلك بـ«وجود مبرر قانوني». كما أضاف للأسباب الموجبة عبارة: «وحيث أن الأجراء رضخوا لهذا الأمر تفادياً لصرفهم من العمل».

– لم تأخذ وزارة المالية إلا بملاحظة واحدة من الملاحظات التي طالت ضريبة التضامن الوطني التي تنص على فرض ضريبة على الحسابات الدائنة إن كانت بالدولار أو بالليرة، بنسبة واحد في المئة عن القسم من الحساب بين مليون و20 مليون دولار (على سعر 1500 ليرة للدولار)، و1.5 في المئة على القسم بين 20 مليوناً و50 مليوناً، و2 في المئة عن القسم الذي يزيد على 50 مليوناً.

الاقتراح الذي أخذت به «المالية» يشير إلى أنه في حال بقيت المادة على حالها، من الأنسب استثناء الحسابات العائدة للمؤسسات العامة والبلديات وصناديق التعاضد. وبالفعل، أضيفت إلى نص المادة العبارة التالية: «تُستثنى من هذه الضريبة الحسابات المفتوحة باسم نقابات المهن الحرة المنشأة أو المنظمة بقانون وباسم صناديق التعاون والتعاضد والتقاعد لهذه النقابات، وباسم صندوق تعاضد القضاة».

مع ذلك فإن المادة 37، أبقت الباب مفتوحاً على العديد من الملاحظات التي لا إجابة لها، ومنها: على أي أساس تم اختيار النسب؟ وهل هي كافية لإطفاء الخسائر؟ وما هي الإجراءات الأخرى التي سيتم اتخاذها ما لم تكن هذه الإجراءات كافية؟

– ألغت وزارة المالية المادة 83 من الموازنة التي تسمح للمؤسسات بتقسيط مستحقاتها للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عن العام 2020 على سنتين من دون فوائد وغرامات. علماً أن الملاحظات كانت تضمنت دعوة إلى التنسيق مع إدارة الصندوق بالنسبة للإعفاءات التي قد تؤثر على موارده المالية وبالتالي على قدرته على تقديم الخدمات اللازمة للمنتسبين.

– كل المعنيين في مختلف القطاعات اعترضوا على المادة 93 المتعلقة بتوحيد منح التعليم في القطاع العام من خلال اعتماد السقوف المحددة في تعاونية موظفي الدولة. ولذلك، ارتأى وزير المالية إلغاءها من قانون الموازنة.

– أصرت وزارة المالية على إبقاء المادة 95 من الموازنة، التي تمنح كل عربي أو أجنبي الإقامة في حال اشترى وحدة سكنية، شرط أن تفوق قيمتها 350 ألف دولار ضمن بيروت و200 ألف دولار خارج بيروت، مع استثناء النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين. مشكلة هذه المادة أنها سبق أن أقرت في موازنة 2018، وأبطلها المجلس الدستوري بقراره رقم 2/2018. وفي حال الإبقاء عليها، أشار أحد الاقتراحات إلى أنه يستحسن إضافة الأشخاص الذي يستثمرون في مبالغ ضخمة تفوق قيمة محددة في مشاريع داخل الأراضي اللبنانية، إلا أن الوزارة لم تستجب.

– لم تأخذ الوزارة بالملاحظات المتعلقة بالمادة 96، التي تشير إلى تقسيط الديون المتوجّبة على الدولة لصالح الصندوق لغاية العام 2020 لمدة 20 سنة، وأصرت على مضمونها، بالرغم من أن إدارة الصندوق كانت رفضتها «رفضاً قاطعاً»، نظراً للوضع المالي للصندوق على أثر تدنّي قيمة العملة الوطنية وارتفاع كلفة الطبابة، بالتالي فإن «تسديد الديون المتوجبة على الدولة أصبح حاجة ملّحة وعدم تسديدها يهدد استمرارية المؤسسة»، مشيرة إلى أن أقسى ما يمكن أن تقبل به هو فترة 10 سنوات.

– يعتبر مجلس الشورى أن المادة 98، التي تُخفّض عدد السنوات التي تعطي الحق بالتقاعد بالنسبة للموظفين الذين دخلوا الخدمة بتاريخ 31/7/2019 وما قبل من 25 إلى 20 سنة، مخلّة بمبدأ المساواة بين مختلف أسلاك القطاع العام وتلك التي تنص على حد أدنى يقل في عدد سنوات الخدمة عن المحدد للسلك الإداري. بالتالي يكون مصيرها الابطال من قبل المجلس الدستوري في حال الطعن بالموازنة لمخالفتها الدستور، ولا سيما المادة 83 منه، واستناداً لقراره رقم 2/2020. لكن الوزارة لم تأخذ بأي من الملاحظات وأبقت على المادة كما هي.

– أصرت وزارة المالية على عدم تعديل المادة 99 التي أثارت اعتراضات كبيرة (تتعلق بتجميد طلبات الإحالة إلى التقاعد لمدة ثلاث سنوات، مع إمكانية تقدّم المعنيين بطلب إنهاء خدماتهم دون حقهم بالإفادة من معاش التقاعد أياً كان عدد سنوات الخدمة والاستفادة فقط من تعويض الصرف من الخدمة أو المحسومات التقاعدية). وللتذكير، فقد اعتبر مجلس الشورى أنها «ستمس بشبكة الأمان الاجتماعي للموظف بعد انتهاء خدمته. خاصة مع غياب أحكام تحفظ الحق في ضمان الشيخوخة». كما أشار إلى أنها تخالف مبدأ المساواة بين المتقاعدين وتحرم فئة منهم من أي زيادة تطرأ على الرواتب والمعاشات.

– ألغت «المالية» المادة 105 (استفادة موظفي الفئة الثالثة من خدمات الاستشفاء على أساس الدرجة الثانية) من المشروع. وهو ما كانت اتفقت عليه مع روابط التعليم والاساتذة والإدارة العامة. كما طالب العسكريون المتقاعدون بإلغائها. فيما رأى «الشورى» أنها من فرسان الموازنة، ودعت ملاحظات أخرى الى أن تأتي هذه المادة بقانون مستقل يشمل إعادة النظر بكل التقديمات.

– تعديلات لافتة أجرتها «المالية» على المادة 106، التي شهدت اعتراضات كبيرة (يستفيد الموظفون الذين يباشرون عملهم بعد نفاذ هذا القانون وعند انتهاء خدماتهم من تعويضات الصرف من الخدمة وفقاً لأنظمة الضمان الاجتماعي). وأشارت التعديلات إلى أنه «على الحكومة وخلال مهلة ثلاث سنوات من صدور القانون أن تتقدم من مجلس النواب بمشروع قانون لضمان الشيخوخة». وبناءً عليه، أصبح تنفيذ مبدأ حصول الموظفين على تعويضات صرف من الخدمة مرتبط بمن يباشرون عملهم بعد إقرار ضمان الشيخوخة وليس بعد إقرار قانون الموازنة.

– المادة 110 تلزم المصارف تسديد الودائع بالعملة الأجنبية التي تودع لديها أو من خلال تحويلات مصرفية خارجية اعتباراً من تاريخ نشر هذا القانون بالطريقة عينها التي أودعت فيها بناء على طلب صاحب العلاقة. كما ترفع هذه المادة قيمة الضمانة على هذه الودائع إلى 50 ألف دولار وما يعادلها بالعملات الأجنبية. في الملاحظات إشارة إلى أن خطورة هذه المادة تكمن في أنها تتعرض لموضوع سيادي وهو القوة الإبرائية للتسديد بالعملة الوطنية. كما أن إقرار هذه المادة، وبالمدلول المعاكس، قد يفهم منه بأن الودائع غير المشمولة في الفترة المحددة بهذه المادة يمكن دفعها بالعملة الوطنية حتى لو كانت بالعملة الأجنبية. وقد يكون من المستحسن سحب هذه المادة من المشروع وأن تأتي في سياق قانون خاص وكامل للكابيتال كونترول. لكن رغم هذه الملاحظات، أصر وزير المالية على إبقاء المادة من دون أي تعديل.

إنقاذ المخالفات البحرية؟

المادة 69 من الموازنة تسمح بتمديد مهل تقديم طلبات التقسيط والاستفادة من الحسم بالنسبة إلى الإشغال غير القانوني للأملاك البحرية من شهر إلى 6 أشهر، اعتباراً من تاريخ تبلغ أوامر التحصيل، والإعفاء بنسبة 90 في المئة من غرامات التأخر في تسديد رسوم إشغال الأملاك العامة عن سنوات 2019 وما قبل، وإمكانية تقسيط رسوم العامين 2020 و2021 على ثلاث سنوات ومن دون فائدة، على أن تؤخذ في الاعتبار فترة الإقفال بسبب وباء كورونا عند احتساب فترة الإشغال للعام 2020. تحذر الملاحظات المقدمة إلى وزارة المالية من أن هذه المادة تثير بعض الإشكالات حولها، خاصة أنها تمنح إعفاءات الإشغال غير القانوني للأملاك البحرية، لكنّ وزير المالية ارتأى ترك المادة كما هي.

وللتذكير، فإن الفقرة الأولى من البند ثامناً من المادة 11 من القانون الرقم 64/2017 توجب على الشاغل تسديد المبالغ الواجبة عليه خلال مهلة 3 أشهر من تاريخ تبلّغه أمر التحصيل الصادر من قبل الإدارة، ويعطيه حقَّ طلب تقسيط المبالغ الواجبة. وعليه، يفترض بهذا الشاغل أن يكون قد استصدر مرسوماً بالمعالجة والإشغال كما جاء في المادة المذكورة. لكن حتى تاريخه، لم يصدر أي مرسوم. وعليه، «يقتضي السؤال عن جدوى هذه المادة، وإذا ما كان المقصود منها تمديد مهلة إمكانية معالجة المخالفات التي سقطت».