IMLebanon

حين يُقصّر القلب والدولة ووزارة الصحة

كتبت نوال نصر في نداء الوطن:

قيل إن راحة القلب في العمل وان السعادة هي أن تكون مشغولاً الى حد لا تنتبه أنك تعيس. لكن، ماذا إذا خانك القلب؟ ماذا إذا قصّر معك ولم يعد هناك لا قلب ولا عمل؟ نحن في أيار، في الشهر العالمي الذي يُحتفى فيه للتوعية حول “قصور القلب” لكن، ماذا يمكن لمصاب بقصور القلب إذا كنا في دولة تنهمك في أمور “فوفاش” كثيرة في حين المطلوب واحد: الوعي والتوعية؟ ماذا إذا أصبنا بقصور القلب في دولة، بلا قلب، أكلت وشربت من عرق ودماء اللبنانيين؟

أربعة أطباء راحوا يتكلمون ويُسهبون في سبل التوعية حول قصور القلب. حصل ذلك في حضور ممثل عن وزارة الصحة اللبنانية. وسؤال أربعتهم الموحد الى “الممثل” الرسمي كان: لماذا لا تعملون على الإهتمام بمرضى قصور القلب، والطلب من الجهات الضامنة دفع ثمن ما يتوجب من فحوصات وعلاجات لاستيعاب المرض قبيل استفحاله؟ سؤال كمن يصرخ في البرية. وإجابة “الممثل” الدفاعية عليه كانت: يستأهل هذا الموضوع المتابعة ووضع خطط له. وأنا، من جهتي، سأنقل الرسالة، مع العلم أن دور وزارة الصحة ليس ضامناً بل يكمن في الإشراف على الجهاز الصحي الضامن. لكن الوزارة تقوم الآن، مع الأسف، بدور الجهة الضامنة حتى أصبحت أكبر جهة ضامنة في البلد. نحن نحاول الآن معالجة الكوارث لا مجرد التخطيط لها. وقد واجهنا وباء (جائحة كوفيد 19) بشكل عجزت عنه الدول المتقدمة. في كل حال سنعمل على الموضوع ونأمل أن نجد الدعم من منظمة الصحة العالمية”.

وزارة الصحة العامة تُذكرنا دائماً “بإنجازاتها” مع وباء كورونا. وما عدا ذلك، نأمل ونتمنى ونعمل.

فلننتقل الى “القلب” حين يُقصّر. فماذا في تفاصيل ما يتعرض له ويجعله غير قادر على القيام بدوره؟

الأطباء الأربعة هم: مالك محمد (رئيس الجمعية اللبنانية لأطباء القلب) وهادي سكوري (الإختصاصي في أمراض قصور القلب في المركز الطبي في الجامعة الأميركية في بيروت) وطوني عبد المسيح (رئيس مجموعة العمل على قصور القلب في الجمعية اللبنانية لأطباء القلب) وجورج سعادة (ممثل الإتحاد العالمي للقلب في الجمعية اللبنانية لأطباء القلب). واللقاء ذُيّل باسم: أسترازينيكا. والإسم المذيل يدفعنا اليوم، أكثر من أي يوم، لنتذكر ما نحن فيه: جائحة كورونا. لكن، منذ البداية، أتت التعليمات واضحة: دعوا كورونا وأصغوا الى دقات القلوب. خصوصاً أن الجائحة التي “هلكتنا” قضت على مليون و400 ألف شخص عالمياً في حين أن قصور القلب قضى على 7,5 ملايين شخص في العالم. ثمة أمراض تداهمنا أقوى من جائحة كورونا.

مهم جداً الإصغاء الى صوت القلب. فلنبحث عنه بالقلب والعقل والطب. الدكتور مالك محمد يتحدث عن الإنتكاسات المتتالية التي يتعرض لها مرضى قصور القلب وتضطرهم “الى الدخول المتكرر الى المستشفى بسبب الإنتكاسات المتكررة التي يتعرضون لها. هؤلاء يموتون غالباً باكراً جرّاء المضاعفات وفشل أعضاء الجسم مثل الرئتين والكليتين والكبد. وهذا المرض يزيد. إنه يصيب 64 مليون شخص في العالم اليوم بعدما كان عدد المصابين لا يزيد في العام 1990 عن 33 مليون شخص. وهناك شخص واحد من كل خمسة أشخاص يقرأون الآن سيُصاب حتماً بالمرض”.

فلنسأل الدكتور هادي سكوري: من هو الشخص المرشح للإصابة؟ وكيف يتاح لشخصٍ على اللائحة أن يدرك باكراً أنه مصاب؟

نبت الشعر على لسان الدكتور سكوري وهو يُكرر “أن الإنسان إذا عرف باكراً عن مرضه وعالجه بالأدوية والوقاية المناسبة فسيخف إمكان دخوله الى المستشفى” ويشرح “القلب هو مضخة للدم الى الأعضاء الحيوية وحين يضعف يُصبح غير قادر على ضخّ كمية الدم والمغذيات اللازمة الى الأعضاء لذا يبدأ الإنسان بالشعور بالتعب. وحين يحصل ذلك ولا نكتشفه مبكراً سيُصبح عداد الموت أسرع. لذا، فلينتبه الناس الى الأعراض التي يشعرون بها: ضيق في التنفس أحياناً من دون حتى القيام بأي جهد. وقد يضطر المريض الى النوم وهو جالس. وقد يعاني من ورم في القدمين وانتفاخ في البطن وتسارع في دقات القلب ودوار ومن تشوش وقلة تركيز وفقدان الشهية على الطعام. لكن، تمهّلوا، كل هذه العوارض قد لا تكون إشارة جازمة حاسمة الى الإصابة بقصور القلب. فعوارض فقر الدم مماثلة. لذا، لا بُدّ من تحديد تاريخ الشخص الذي يعاني منها. فهل يعاني من تصلب في شرايين القلب وارتفاع في الضغط والسكري؟ فهذه الأمراض تتسبب بضعف القلب. والأشخاص الذين يعانون من عيوب خلقية في القلب أو في صماماته أو من يخضعون الى علاجات كيميائية ويواجهون أعراضاً قد يكونوا أكثر من سواهم في عداد مرضى قصور القلب.

أمرٌ آخر يفترض ألّا يغيب عن بالكم وفيه أن المرضى يصلون الى المستشفى غالباً متأخرين، ومعلوم أنه كلما تأخر علاج فتح الشريان كلما ارتفعت نسبة الخلايا التالفة في القلب. وتشير الدراسات أن مريض قصور القلب في مجتمعاتنا العربية (ولبنان بات الأسوأ بينها) يصل الى المستشفى متأخراً ما لا يقل عن أربع ساعات تكون خلالها الخلايا التي يغذيها الشريان قد ماتت. وهناك مقولة في الطب فيها أن “الوقت هو عضلة”. Time is muscle ويعني أنه كلما تأخرنا أكثر عن معالجة الحالة يُصبح الحفاظ على العضلة أصعب.

اللبنانيون بين شاقوفين وثلاثة وأربعة. اللبنانيون لا يتمكنون أحياناً من إيجاد حبة بنادول فهل سينتبهون الى القلب حين يُقصّر؟

يتحدث سكوري “عن ضرورة محاولة تغيير نمط الحياة: دخان أقل رياضة أكثر وأكل صحي أكثر”. مهم جداً ما يقوله الطبيب لكن اللبناني قد لا يجد في هذا الزمن السيئ أوقية لحم بقر وفخذ دجاج فكيف يتأنى في خياراته الصحية؟ الحلّ الإقتصادي ليس بالطبع عند الطبيب بل ما عليه هو تعزيز الوعي عند المواطنين على الرغم من كل السيئات الأخرى لأن ما يعاني منه (وما قد يعاني منه) مريض قصور القلب لا يوصف. فهل تتصورون أنه لا يعود قادراً حتى على أن يقلب جسده في الفراش من اليمين الى الشمال؟ ولا يعود قادراً على ربط شريط حذائه. ويُصبح مشروع ميت.

إكتشاف مريض قصور القلب يكون، الى الفحص السريري، من خلال فحص دم يُظهر نسبة هورمون معين في الجسم، وصورة صوتية. لكن، هنا يُطرح السؤال: هل هذا الفحص والصورة معترف بهما من قِبل الجهات الضامنة لإنسان يريد أن يتأكد من حال قلبه؟ الجواب: لا.

يُشبّه الطبيب قصور القلب بسرطان القلب لأن أذاه قد يزيد حتى عن أذى مختلف أنواع السرطانات. ويتحدث هنا عن ثورة في علاج قصور القلب تكمن في اكتشاف إدارة جديدة للمرض تتضمن الخلط بين مجموعتين علاجيتين، بحيث يتدخل الطبيب بسرعة، في خلال أربعة أسابيع على الأكثر، في تحديد “الخلطة” التي تنفع كل مريض على حدة. وقد أثبتت الدراسات أن من شأن ذلك تخفيض عدد المرات التي يدخل فيها المرضى الى المستشفى كثيراً. ويقول “نراقب ضغط كل مريض ونبضه ونفسيته ونأخذ القرار التحكيمي الملائم. إنها الثورة في إدارة المرض. وقد يحتاج بعض المرضى الى أجهزة بينها الصاعق الكهربائي أو البطارية الثلاثية الأسلاك أو الجهاز الذي يساهم، من خلال دورانه، في رفع الدم ووضعه في الشريان الأبهر. هي أجهزة جد باهظة الثمن. فكلفة الجهاز الأخير تصل الى مئة ألف دولار. والسؤال: هل سيجد كل من يحتاج إلى هكذا علاجات ما يريد من خلال الجهات الضامنة؟

في المقابل، يغوص الدكتور جورج سعادة في درجات ونسب الوعي. والنتيجة “55 في المئة من المواطنين في دول شملها إحصاء لا يعرفون شيئاً عن قصور القلب ولا عن أعراضه. ثمة جهل هائل في الموضوع”.

أن نتحدث عن القلب في زمن يكثر فيه من ليس لهم قلب قد يبدو غريباً الى البعض، لكن، لأنه لم يعد للبنانيين اليوم سند ولأن درهم وقاية خير من قنطار علاج نُضيء عليه. إنتبهوا الى صحتكم فمن يملك الصحة يملك كل شيء.