أشارت مصادر سياسية لبنانية إلى أن الموقف السعودي من رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري يقف وراء الدعوة التي طالب فيها وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق باعتذار الحريري عن عدم تشكيل حكومة لبنانية.
وكشفت المصادر أن كلام المشنوق يستند إلى معطيات تؤكد أن وليّ العهد السعودي الأمير محمّد بن سلمان قد اتخذ موقفا سلبيا من الحريري، وأنه أبلغ ذلك مسؤولا عربيًّا التقاه قبل نحو شهر في الرياض.
ويعتبر المشنوق، استنادا إلى المصادر السياسية اللبنانية، أن الموقفين الروسي والفرنسي يتميزان في الوقت الحاضر بالتراجع عن دعم موقف الحريري من تشكيل حكومة “اختصاصيين”.
وأشارت المصادر في هذا المجال إلى أن روسيا لا تريد إغضاب حزب الله الذي ليس في وارد فكّ تحالفه مع رئيس الجمهورية ميشال عون وجبران باسيل اللذين يؤمّنان غطاء لسلاحه.
وأوضحت أن ما ينطبق على روسيا ينطبق، إلى حدّ ما، على فرنسا التي على الرغم من استيائها الشديد من الثنائي عون – باسيل لا تستطيع تجاهل مواقف حزب الله ومن خلفه إيران التي لا تريد قطع قنوات الاتصال معها.
كما برّرت المصادر دعوة المشنوق إلى اعتذار الحريري عن التكليف بالواقع السائد على الأرض، مشيرة إلى أن لبنان متجه إلى انهيار كامل وأن من الأفضل بالنسبة إلى الحريري عدم تحميل نفسه مسؤولية الكارثة التي حلت بلبنان.
وخلصت المصادر إلى القول إن وزير الداخلية السابق، الذي لا يزال يمثل بيروت في مجلس النوّاب، يرى أن الظروف لم تعد مناسبة لتشكيل حكومة لبنانية برئاسة الحريري.
وأضافت أن رأي الوزير السابق، الذي عمل طويلا مع رفيق الحريري، هو أن سعد الحريري يواجه حاليا طريقا مسدودا يجعل من خيار الاعتذار خيارا جدّيا في ظلّ إصرار رئيس الجمهورية وصهره على وضع شروط تعجيزية تمنعه من تشكيل حكومة.
وقال المشنوق في تصريحات صحافية إنه “إذا لم يعتذر الحريري سوف نعاني طويلاً جدًا من هذا الأمر، ولكن إذا اعتذر فالمشكلة أكبر، لأنّ اعتذاره الآن سيشكّل صدمة كبيرة لجزء من المجتمع اللبناني، وخاصّة جمهور والده”.
واعتبر المشنوق أن “الحريرية السياسية مصابة بثغرات وإخفاقات كبرى بعد خطيئة انتخاب ميشال عون رئيسًا للجمهورية”، مفرقا بينها وبين “الحريرية الوطنية التي قاتل من أجلها رفيق الحريري”.
ويرى مراقبون لبنانيون أن وزير الداخلية السابق التقط الإشارات الإقليمية، وخاصة من السعودية، بشأن نهاية الرهان على الحريري كشخصية قادرة على مواجهة النفوذ المتزايد لحزب الله ومن ورائه إيران، ويسعى لتقديم نفسه كبديل قادر على لعب هذا الدور خاصة أن تصريحاته الراديكالية في السنوات الماضية تظهره دائما في الصف المقابل للحزب الشيعي.
ويعتقد هؤلاء أن عدم رضا السعودية عن الحريري سيكون محددا لوضعه سواء في المشهد اللبناني، والسني تحديدا، أو على المستوى الإقليمي، مشيرين إلى أن الدول الإقليمية التي تدعم الحريري تقوم بذلك في حدود لا تتجاوز سقف الموقف السعودي.
وإذا كان الحريري مهددا بخسارة دعم السعودية، التي عُرفت بإسنادها الدائم للحريرية السياسية، فهو أيضا لم يعد البديل المفضل لفرنسا التي وقفت وراء فكرة إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة، وهو أمر لم يعد خافيا على المتابعين خاصة بعد ما راج عن البرود الذي رافق لقاءه بوزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان. واشتكى الحريري من أن لودريان قام بزيارة الرئيس ميشال عون وكذلك رئيس مجلس النواب نبيه بري فيما استقبل الحريري في مقر السفارة الفرنسية.
ومن الواضح أن الموقف الفرنسي المساوي بين الأطراف اللبنانية بعد أن كان ميالا نحو الحريري لا يمكن أن يحصل إلا بعد أن استشفت باريس أن الرياض ليست في وارد المراهنة على الحريري في هذه المرحلة، وهو الموقف الذي انعكس على تصريحات لودريان قبل وبعد الزيارة الأخيرة لبيروت، وقد ترجمه المشنوق بموقفه السياسي الجديد.
وبدا المشنوق من خلال تصريحاته غير راض عن تجربة الحكومة السابقة التي قادها الحريري وعن التسوية التي تمت مع رئيس الجمهورية وكيف تحول وجود الحريري على رأس الحكومة السابقة إلى غطاء خادم لأجندات الآخرين على حساب مصالح السنة الذين من المفترض أن يدافع عنهم الحريري.
ويعتقد المشنوق أن الحريري بالغ في استرضاء حزب الله وقراءة حساب لمصلحته الشخصية في الاستمرار على رأس الحكومة أكثر من حساب الموقف الإقليمي والدولي من الحزب، وهو أحد أسباب تغير الموقف السعودي تجاهه.
إذا كان الحريري مهددا بخسارة دعم السعودية، التي عُرفت بإسنادها الدائم للحريرية السياسية، فهو أيضا لم يعد البديل المفضل لفرنسا التي وقفت وراء فكرة إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة
وقال المشنوق إن “الإدارة السياسية للتسوية خلال السنوات الثلاث الأولى سهلت الأطماع، وجعلت عون وباسيل يطمعان أكثر بتجاوز الطائف، وتجاوز الدستور وإيصال البلد إلى حائط مسدود، طبعًا بدعم رئيسي من حزب الله”.
وحرص على تأكيدِ أنّ خلافه مع الحريري ليس خلافا شخصيا، وإنما هو خلاف سياسي، وهو ما يفسر حديثه عن تشكيل جبهة سياسية ستكون منافسا لتيار المستقبل.
وأعلن أن “مجموعة من الرفاق والأصدقاء، بعضهم من قدامى جمهور رفيق الحريري، تعمل على تأسيس جبهة جديدة باسم حركة الاستقلال الثالث، وذلك لتحرير القرار اللبناني من الاحتلال السياسي الإيراني”.
ومن شأن تأسيس هذه الجبهة، إذا تم، أن يكون على حساب تيار المستقبل الذي يعيش أوضاعا صعبة أفقدته وزنه داخل الحاضنة السنية نفسها، فضلا عن تأثيره الوطني، وحولته إلى حزب خادم لشخص الحريري أكثر مما هو حزب مؤثر ضمن التوازنات الداخلية في لبنان.
كما بات التيار أبعد عن استقطاب الشخصيات السنية التي عملت في حكومات سابقة وكانت قريبة من التيار في فترة رفيق الحريري، ومن بين هذه الشخصيات رؤساء الحكومات السابقون الذي أسسوا ناديا خاصا بهم.
ويقول مطلعون على الجدل داخل البيئة الحاضنة للمستقبل إن التيار تحول إلى حزب سلطة مهمته توفير خلفية سياسية حاضنة لسعد الحريري، خصوصا في المرحلة التي تلت إبرام التسوية مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وأدت إلى انتخاب عون رئيسا للجمهورية.