Site icon IMLebanon

إسرائيل وإيران بين القدس وفيينا

كتب وليد شقير في نداء الوطن:

قطعت إسرائيل حبل التوقعات بأن المنطقة ذاهبة نحو تفاهمات كبرى وفق الترويج الذي شهدناه في الأسابيع الماضية، بعد فتح قنوات التفاوض الإقليمي واستناداً إلى بعض التقدم الذي كان حصل في مفاوضات فيينا حول النووي، والذي يفترض أن يشمل رفع جزء من العقوبات الأميركية عن طهران.

فالتصعيد الإسرائيلي المنظم والمعد مسبقاً لمصادرة المزيد من الممتلكات الفلسطينية وتصعيد إجراءات تهويد القدس، والإفادة من فترة الانشغال الأميركي بقضايا دولية أخرى، من أجل تثبيت هدية دونالد ترامب لبنيامين نتنياهو بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كان أيضاً وسيلة اعتراض على مفاوضات فيينا. فالرسالة التي بعثت بها واشنطن الشهر الماضي إلى نتنياهو بأن يوائم خطواته ضد الجانب الإيراني مع توجه إدارة جو بايدن نحو التفاوض والتسوية معه وليس الصدام، لم ترض الجانب الإسرائيلي. استعاض نتنياهو عن ملاحقة السفن الإيرانية بملاحقة الفلسطينيين العزل في حي الشيخ جراح شرق القدس.

في وقت تأمل طهران بتسريع مفاوضات فيينا والإفراج عن أرصدة مالية محتجزة لها في بعض الدول بسبب العقوبات الأميركية، قبل الانتخابات الرئاسية في 18 حزيران المقبل، صادف أن أعلنت وسائل إعلام إيرانية أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، مقابل تأكيد الخارجية الأميركية أن الهوة ما زالت واسعة مع الجانب الإيراني.

الضدان الإسرائيلي والإيراني يتشددان في التعاطي مع واشنطن سواء كان ذلك من أجل تحصيل مكاسب أو تحصين مكاسب، أو لأهداف داخلية. فنتنياهو واليمين المتطرف أمام مأزق تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات الإسرائيلية الرابعة التي لم تفرز أكثرية حاسمة لا لنتنياهو ولا لبني غنتس. لطالما لجأ قادة إسرائيل إلى هذا النوع من التصعيد للهروب من أزمة داخلية.

وحكام إيران الأصوليون يحتاجون إلى الاحتفاظ بصورة تحدي “الشيطان الأكبر” في فيينا لئلا تخدم الليونة التي تفرضها الحاجة إلى رفع العقوبات الاقتصادية، التيار المعتدل في تلك الانتخابات. وهذا التشدد ينسحب على حرب اليمن والاعتداءات الحوثية على السعودية، ومن الطبيعي أن يتلاقى مع الرد الفلسطيني على فظائع إسرائيل في القدس، انطلاقاً من غزة. سيكون على إدارة بايدن أن تحسم أمرها في لجم الاندفاع الإسرائيلي نحو هذا النوع من التصعيد. فسياسة إدارة الظهر الأميركية للشرق الأوسط بسبب أولويات واشنطن الدولية المتعلقة بالصراع مع الصين في المحيط الهادئ ومع روسيا في أوروبا، شبه مستحيلة كما ثبت منذ رئاسة باراك أوباما، طالما أن دينامية الأحداث فيها ناجمة عن سياسات زرعتها الولايات المتحدة نفسها طوال عقود من الزمن.

في موازاة التصعيد الإسرائيلي والتشدد الإيراني يبدو التحدي أكبر على الدول المحورية الأخرى في الإقليم، والتي كانت بدأت تفتح خطوط التقارب والتسويات بعد سنوات من الخلافات والصراعات بين محاور إسلامية، بدءاً من تقارب تركيا مع مصر، ثم مع السعودية، ولقاءات الأخيرة مع القيادة السورية، واجتماعاتها مع الجانب الإيراني في بغداد. وإذا كان التصعيد من الجانب الإسرائيلي يطرح السؤال حول مدى صمود التطبيع العربي مع تل أبيب، فإن التشدد الإيراني في المفاوضات مع واشنطن عبر الأوروبيين، يحتاج إلى إغراء أميركا بضمانات حيال أمن إسرائيل.

أيهما يسبق في قطف ثمار الانشغال الأميركي عن المنطقة وتفضيل الإدارة الأميركية أن يلجأ الوكلاء إلى تسويات إقليمية؟ هل يظفر القطبان المتصارعان إيران وإسرائيل بمكاسبهما في العلاقة مع المايسترو الأميركي، أم أن التقارب العربي التركي بعد الأدوار الإقليمية التي لعبتها أنقرة في السنوات الأخيرة، يمكن أن يعيد ولو في شكل متأخر ومتواضع، بعض الوزن إلى الدور العربي؟