كتب رفيق خوري في نداء الوطن:
حرب الصلاحيات والحصص لا تكفي لتفسير المشهد التراجيدي- السوريالي- العبثي- الكوميدي المتحكم بنا: المافيا التي قادت لبنان الى الإنهيار تراقب الإنهيار بدم بارد من دون فعل أو رد فعل. وإنتظار المتغيرات في المنطقة لتكريس الغلبة بما يعيد تشكيل لبنان، وليس فقط بما يفك عقدة التكليف والتأليف، هو رهان على ما في أيدي سوانا من اللاعبين الإقليميين والدوليين. فالإنهيار ليس قدراً ولا خياراً في نظر أي عاقل. وإذا كان هناك من يتصور أنه يستطيع توظيف الإنهيار في مشروع يقود الى لبنان آخر، فإنه مقامر سيطمره الركام مع الآخرين.
يقول ماركس: “إن الشعوب لا تعرف التاريخ الذي تصنعه” خلال صنعه. لكن “محور الممانعة” بأطرافه الأساسية والفرعية بقيادة إيران يوحي أنه يعرف التاريخ الذي يصنعه قبل صنعه وخلال صنعه. عال. ولا حاجة الى المبالغات، وهي من التقاليد في طهران التي تقول انها رابحة حتى حين تكون خاسرة. فلا مجال للخطأ في رؤية الصورة الحالية أمامنا: محور الممانعة رابح في العراق وسوريا ولبنان واليمن. غير أن الخطأ هو في قراءة الأرباح بمعزل عن الظروف والوقائع. فماذا يعني الربح في العراق الثائر ضد المنظومة المتحكمة به والميليشيات التابعة لإيران حتى في كربلاء؟ أي رابح في سوريا المدمرة والموزعة بين خمسة جيوش أجنبية؟ ما قيمة الربح في لبنان المفلس مالياً واقتصادياً والمكرس لأمراء الطوائف، وسط زحام قوى إقليمية ودولية؟ وهل تسد الصواريخ جوع اليمن الفقير المعتز بتاريخه والمتمرد بطبعه؟
الخطأ الأكبر هو في الرؤية الأحادية للمفاوضات والتسويات والصفقات وحتى مجرد الإنفتاح لإستكشاف النيات. فالتفاوض الأميركي- الإيراني على عودة واشنطن الى الإتفاق النووي وعودة طهران الى الإلتزامات التي خرقتها ليس إستسلام طرف أمام آخر. وهو، كما تقول “النيويورك تايمس، بداية لا نهاية”. فلا كل الصفقة هي العودة الى الإتفاق ورفع العقوبات، ثم نسيان ما تطلبه أميركا وأوروبا حول ملف الصواريخ الباليستية والنفوذ الإيراني في المنطقة و”السلوك المزعزع” للإستقرار. ولا أي صفقة هي إنتصار لطرف واحد. إذ كيف تنال طهران رفع العقوبات ويتم التسليم لها بما سمته “حكم أربع عواصم عربية” وبتطوير الصواريخ، مقابل حصول أميركا على ضوابط لمنع الحصول على سلاح نووي، وهي تعرف أنه لا شيء يحول دون العمل سراً على البعد العسكري للبرنامج النووي؟
من الوهم تبسيط أمور دقيقة ومعقدة الى هذا الحد. فالمنطقة ليست ملك أميركا التي تقدمها لإيران وتركيا وإسرائيل من دون حساب للعالم العربي. والعرب باقون على أرضهم ولن يختفوا إذا انسحبت أميركا لمواجهة الصين وروسيا في الشرق الأقصى، وهما تندفعان في الشرق الأوسط.
و”الشفاه الفالتة تغرق السفن”، كما يقول مثل أميركي.