كتب رمال جوني في نداء الوطن:
بأي حال عدت يا عيد؟ في السوق لا حركة ولا بركة، وحده الغلاء يسيطر على سياسة المحال التجارية، واسعار خيالية فاقت قدرة تحمّل المواطن الذي فضّل إما “الفرجة” او الاقتصاد بالشراء وِفق الضرورة، كما اكد البعض. لا اجواء عيد في سوق النبطية، فالناس بالها في لقمة العيش اكثر من شراء كنزة وبنطال وحذاء تخطّى سعره الـ200 الف ليرة، أي بما يعادل ربع معاش موظف بحد ادنى.
ترمي سيدة بكنزة وبنطال من يدها بعدما سمعت بسعرهما الذي بلغ الـ350 الف ليرة، وتخرج من المحل، الام لثلاثة أولاد تقول لـ”نداء الوطن”: “مش رح اشتري، ما قدرتي ادفع مليون ليرة ثمن ثياب”، وِفقها “العيد اختفى، فنكهته هذا العام برائحة الغلاء، ما بقى قادرين نتحمّل”. لم تتحرّك عجلة السوق عشية العيد، بالكاد تجد زبوناً عابراً، قلّة من الناس خرجت لشراء الملابس، إذ انقسمت أحوالهم الى ثلاث فئات: من يقبض بالدولار وهؤلاء وضعهم مرتاح، المغترب الذي يرسل الدولارات لعائلته، والموظف الذي يتقاضى معاشه باللبناني، والفئة الأخيرة الأكثر تضرّراً من الأزمة وهي تشكّل 70الى 80بالمئة من المجتمع، وحالها “بالكحالة” كما قالت صاحبة محل ألبسة، لافتة الى “أنّ النازح السوري أكثر الناس شراء هذا العيد، فوضعهم مرتاح أكثر من اللبناني، فالمساعدات التي تصلهم تسهم في تأمين عيشهم برفاهية”. لا تخفي صفاء صاحبة المحل أنّ “حركة البيع خجولة مقارنة مع الأعوام الماضية، وأنّ فرق العملة أسهم في التراجع وإن كان هناك من يشتري ولكن نسبتهم قليلة”.
يحل عيد الفطر هذا العام مصحوباً بسلة أزمات خانقة، إذ قدّمت الحكومة العتيدة عيديتها للمواطن برفع الدعم عن معظم السلع، ما ادّى الى ارتفاع صادم في سعر كيلو اللحم الذي سجل 116الف ليرة وزيادة، مضافاً اليها ارتفاع أسعار الدجاج والخضار. كل ذلك حال بينه وبين شراء حلة العيد التي بقيت خارج اهتمامات 80بالمئة من سكان منطقة النبطية. وهذا ما ترجمه فراغ المحال التجارية من الزبائن الا ما ندر ومن حضر “اجا تفرّج وانصدم وفلّ” على حدّ قول احدى السيدات التي فضّلت عدم الشراء والاعتماد على الملابس القديمة “الأسعار أكثر من نار”. وتشير السيدة الى “ان أسعار الـ” online” ارخص بكثير من المحال، إذ يسجّل فارق النصف في كل قطعة، وهذا يحول دون تمكّننا من الشراء”. وتضيف السيدة لبنى أن “الكل يحارب لتحقيق الارباح على حساب الناس ويستغل الازمة لرفع الأسعار، بالرغم من أن البضاعة من العام الماضي، أي أن الاستغلال واضح، والربح أضعاف ومش طالعة الا براسنا”.
بالرغم من تأكيد الباعة أن الحركة تزداد بعد الإفطار إلا انها ” للكزدرة”، فالسوق بات مسرحاً “للفرجة” لكثر ممّن ملّوا الحجِر، ووجدوا فيه وجهتهم للنزهة “بلا دفع”. معظم أصحاب المحال ينتظرون زبوناً عابراً لن يأتي، فالكل يقتصد في حركة الشراء، “الوضع ما بيحمل الاسراف” يقول عادل الذي فضّل الاكتفاء بشراء كنزة واحدة لطفله، والاعتماد على ملابس العام السابق، وبرّر خطوته بالقول: “المعاش ما بيكفي إشتري للاثنين بيخلص”، وسأل بحرقة “من سرق منّا فرحة العيد، حتى الملابس باتت محرّمة علينا، فكل شيء بات محرّماً، الى اين ستوصلنا سفينة الفساد؟ لا نعرف”.
لم يعد السوق “فشّة خلق” كما كان في السابق، او ملاذاً للفقراء فالمحال الشعبية لم تعد “شعبية”، فأقل قطعة داخلها لا تقلّ عن الـ100 الف ليرة، اي بما يعادل ربع معاش، ما يعني انّ الملابس باتت خارج اهتمامات الناس ايضاً، ومرجّحاً ان تدخل اليها قطاعات اخرى في الايام المقبلة، في ظلّ موجة رفع الدعم التي طالت معظم السلع الاساسية، أو كما قال علي “وحده المواطن مش مدعوم بل مدعوس في هذا البلد، حتى العيد بات يشكّل غصة لنا، شو تركولنا؟ ما شي”. يمضي معظم الناس في طريقهم، يقفون قبالة واجهات المحال، يلقون نظرة سريعة على الأسعار، يصفّرون لها ويكملون مشوار البحث عن قطعة رخيصة بات من الصعب العثور عليها. فهبّة الدولار وجشع التجار حرما الفقير فرحة عيده، وبحسب أم سامر “ليش في عيد، لنكون على قيد الحياة بالاول؟ نحن فقط نتنفّس غلاء وازمات وصدمات، أما راحة البال والهناء فباتت في سجن حكامنا الفاسدين الذين يبدو أنهم “مش عايشين” بلبنان، لأنه لو يعيشون معنا فعلاً لكان تحرك ضميرهم، ولكنهم بلا ضمير”.