كتبت جريدة الأخبار:
لا يُفوّت وزير الاقتصاد راوول نعمة مُناسبةً حتى يُثبت أنّه وزير المُحتكرين والتجّار، الذين لن يجدوا أفضل منه ليؤمّن لهم مصالحهم في الوزارة. في العادة، كان نعمة يُغلّب امتيازات التجّار على حساب مصالح السكّان واحتياجاتهم، لكنّه أضاف هذه المرّة «ضحية» جديدة، وهي مصرف لبنان. ففي أجدد «إنجازاته»، تواطأ وزير الاقتصاد والتجارة مع المُحتكرين، موافقاً معهم على عدم تسليم بضائع مدعومة للأسواق، قبل أن يُسدّد لهم الحاكم رياض سلامة قيمة فواتيرهم. بكلّ «دم بارد»، يتوافق نعمة مع التجار على هذا «الابتزاز»، في الوقت نفسه الذي بدأ رفع الدعم ولم تُقرّ الحكومة خطّة «ترشيد الدعم» أو توفير البطاقة التمويلية.
منذ أسابيع، والتجّار يمتنعون عن تسليم الكميات اللازمة من الحليب والزيت والمواد الغذائية… وغيرها من السلع التي يدعم مصرف لبنان استيرادها. لم تكن المُشكلة في نقص الكميات، بل لأنّ «المركزي» تأخّر في تسديد الفواتير المُستحقة. بعضهم يقول إنّ لديه بذمّة مصرف لبنان مستحقات بلغت 14 مليون دولار. قرّر التجّار الردّ عبر المسّ بالأمن الغذائي، وقطع مواد رئيسية عن السكّان. عُقدت لقاءات عدّة بين المسؤولين في وزارة الاقتصاد وبين المُستوردين، الذين اعترضوا على المداهمات لمخازنهم وتسطير محاضر ضبط بحقّهم. سألوا نعمة إن كان يتعهّد لهم بأن يدفع مصرف لبنان أموالهم إنْ هم وزّعوا البضائع، فأجاب الوزير بالنفي، فردّ التجّار بالسؤال: «كيف تُريدنا أن نبيع إن لم نكن قد قبضنا أموالنا بعد؟». رقّ قلب نعمة لـ«الخسارة» التي يتعرّض لها المُستوردون، مُتناسياً أنّهم بموجب القرار الوسيط رقم 87، وبمُجرّد موافقتهم على استيراد بضائع مدعومة، يُصبح واجباً عليهم توفير السلع للمُستهلكين، وإلا يُمكنهم بكلّ بساطة عدم التقدّم بطلبات دعم استيراد لوزارة الاقتصاد. فليس من حقّ أحد أن يحتكر استيراد سلعة ما، ثمّ يُقرّر أن «يُربّي» الناس ويقطع عنهم لقمة عيشهم وحاجاتهم، لتصفية حسابات احتكارية. وليس من حقّ موظف يتلقّى راتبه من المال العام (وزير الاقتصاد) أن يتآمر مع المُحتكرين لتأمين أرباحهم، في مقابل ممارسة الذلّ بحق المواطنين.
بعض التجّار اختار «الانسحاب» من لعبة الدعم، وتصل نسبة هؤلاء، بحسب مصادر «الاقتصاد» إلى أكثر من 60 في المئة من التجار الذي كانوا «يتعاطون» الدعم. أما القسم المُتبقي منهم، فقد اتفقوا مع نعمة على ألا «يُفرجوا» عن البضائع قبل أن يدفع لهم مصرف لبنان، من دون أن تُسطّر بحقّهم محاضر ضبط. وفي ما يتعلّق بمحلات الأغذية (السوبرماركت)، وافقت وزارة الاقتصاد على أن يتمّ «تقسيط» عرض البضائع المدعومة تباعاً خلال النهار، بحجّة أنّ عرض كلّ الكميات دفعةً واحدة سيؤدّي إلى تهافت على شرائها وانقطاعها بسرعة!