Site icon IMLebanon

“الرهان الفرنسي” على “العقوبات والانتخابات”: صحيح نظرياً.. صعب التطبيق عملياً

سادت في الدوائر الفرنسية، بعد عودة وزير الخارجية جان إيف لودريان من بيروت، أجواء انزعاج وامتعاض من الطريقة التي جرى فيها التعامل مع زيارة لودريان التي أُمطرت بوابل من الانتقادات، لم توفر الشكل والمضمون (طريقة اللقاء مع سعد الحريري وكيفية انتقاء شخصيات وقوى المعارضة في لقاء قصر الصنوبر، وطغيان لون طائفي معين.. واستثناء البطريرك الماروني من برنامج اللقاءات.. إلخ )، وأكثر ما استفز الفرنسيين وأثار حفيظتهم هو التقييم السلبي الذي صدر عن أوساط لبنانية كثيرة بشأن ما آلت إليه المبادرة الفرنسية، وخلاصته أن لودريان نعى المبادرة ودفنها في بيروت، وأن باريس تخلّت عن مبادرتها في لبنان وسحبت يدها ورمت المسؤولية كاملة على الطبقة السياسية في لبنان.

وفي مواجهة هذه الأجواء والانطباعات اللبنانية التي انتشرت على نطاق واسع، تحرص باريس على تبديد ما تعتبره انطباعات خاطئة، وتؤكد أنها «لم تتخلَّ» عن لبنان، وما زالت ماضية في متابعة أوضاعه ولكن وفق مقاربة جديدة ومنهج مختلف عما طرحته في مرحلة أولى.

المقاربة الجديدة تعني، واستنادا إلى ما كشفته زيارة لودريان، أن باريس تستخدم ورقتين أساسيتين ومتوازيتين وتراهن عليهما لتطويع الأزمة اللبنانية وإحداث خرق وتغيير في الوضع القائم المختصر بأربعة عناوين: انسداد سياسي ـ انهيار اقتصادي ـ انفجار اجتماعي ـ خطر أمني:

٭ الورقة الأولى هي ورقة العقوبات ضد طبقة سياسية تدفع لبنان إلى «الانتحار الجماعي»، وفقدت باريس صبرها إزاءها. وعمدت باريس في خطوة أولى إلى فرض قيود على دخول سياسيين إلى أراضيها، سواء بسبب فسادهم أو بسبب إعاقتهم تشكيل الحكومة. ولم يكشف الجانب الفرنسي عن الأسماء المعنية لأسباب تكتيكية، ولكنه يبقي سيف العقوبات مصلتا على الأطراف كافة ويسعى إلى استخدام متشدد لعصا العقوبات، عبر فرض عقوبات إضافية والاستمرار في دفع جهود الاتحاد الأوروبي إلى الأمام من أجل التوافق على عقوبات أوروبية جماعية بحق المسؤولين اللبنانيين الذين يعيقون الخروج من الطريق المسدود الراهن.

٭ الورقة الثانية هي ورقة الانتخابات المقبلة والرهان عليها لتجديد الطبقة السياسية. وهذه كانت الرسالة الواضحة التي بعث بها لودريان في لقائه مع قوى وشخصيات المجتمع المدني.. وبالتالي، أعلن خطة الانتقال من مرحلة التعاطي مع الطبقة السياسية (لقاء ماكرون مع الأقطاب) إلى مرحلة التحضير لـ «طبقة سياسية بديلة» والانتقال من علاقات فاشلة ومستنفدة مع الجيل السياسي «القديم» (جيل الحرب) إلى بناء علاقات جديدة مع الجيل الجديد والنخب الشابة الصاعدة.

رهان فرنسا على «العقوبات والانتخابات» في إطار مقاربتها الجديدة للأزمة في لبنان، رهان صحيح من الوجهة النظرية، ولكنه غير ممكن التنفيذ، والى حد ما غير ملتصق بالواقع من الناحية العملية:

٭ فالعقوبات إذا ظلت فرنسية بحتة لا يكون لها إلا تأثير معنوي، في حين أن تحوّلها إلى عقوبات أوروبية صعب التحقيق بفعل التردد الذي تبديه دول عدة في الاتحاد الأوروبي وعدم توافر إجماع، كما لم يتم التعرّف على الأساس القانوني الذي يمكن الركون إليه لفرض عقوبات على سياسيين بحجة تعطيل تشكيل حكومة. فإذا كانت تهمة الفساد تعدّ جريمة يعاقب عليها القانون، فإن تعطيل ولادة حكومة يدخل في باب العمل السياسي، ولذا يتعين على الفرنسيين والأوروبيين البحث عن شيء ينهض على أساس قانوني، ولا يمكن دحضه أمام المحاكم الوطنية أو الأوروبية. ومن هنا، فإن المناقشات الدائرة داخل الاتحاد الأوروبي التي بدأت في 23 مارس الماضي يمكن أن تمتد لأسابيع إضافية، قبل أن ترسو على تفاهمات قابلة للتنفيذ.

٭ أما الرهان على الانتخابات المقبلة مع منظمات في المجتمع المدني وشخصيات حزبية معارضة، فإنه رهان محفوف بالمخاطر بسبب التركيبة السياسية اللبنانية الطائفية الحزبية، وقدرة الأحزاب الكبرى والمتمرسة والممسكة بالوضع على إعادة إنتاج نفسها وإعادة إنتاج الطبقة السياسية المتقادمة منذ استقلال لبنان، والسلطة القائمة منذ ما بعد الطائف… والحال، ان مجموعات وقوى المجتمع المدني تعاني قبل الوصول إلى محطة الانتخابات من انقسامات وعدم اتفاق على برنامج سياسي واحد، وعدم وجود مرجعية أو هيئة قيادية موحّدة، وستكون في الانتخابات أمام تحدٍ كبير لإثبات نفسها ووجودها، ولاقتناص أول فرصة وأول امتحان لترجمة عملية لنتائج الثورة والتحوّلات التي أحدثتها.