أشار المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في خطبة عيد الفطر، بعدما أدى صلاة العيد في مسجد الإمام الحسين، في منطقة برج البراجنة، إلى أنه “لا شك أن هذا اليوم يوم الثواب الكبير عند الله، وهو يوم فطركم، وهو عيد مائدتكم، ولحظة إقبالكم على ربكم الكريم، بعد شهر عظيم، تقربتم فيه إلى الله بصيامكم وقيامكم وتلاوتكم وأخذ أنفسكم بما يسعدها في عالم الله الأكبر”.
وأضاف: “بالأمس كانت الطاعة امتناعا عن الطعام والشراب، واليوم الطاعة بالإقبال على الطعام والشراب، لكن يجب أن تتأكدوا أن الأكل والشراب أو الامتناع عن المفطرات لا ينال الله بل يناله التقوى منكم، أي أن نقوم بذلك عن تقوى، طلبا لله ولطاعته وهداه،وبالأمس واليوم وغدا، الإيمان إيمان، والتقى تقى؛ والميزان فيه: أن تكون لله بحلاله وحرامه وكافة ميادينه، فالحلال والحرام فريضة الله بكل ما تقوم به، يبدأ من بصرك وسمعك ورغباتك وطريقة عيشك، ونمط تفكيرك، وبيئتك الاجتماعية ومهنتك، ومظاهر حضورك، وأين أنت من ظروف الناس وأزماتها وجوعها ووجعها، لا لتنفق فحسب، بل لتكون جزءا من قوة الحق، والإمكانات الشعبية والمهنية والسياسية والأخلاقية، بهدف تشكيل قوة تأثير في رفع المظلومية، ووضع حد للفساد بكافة أنواعه بما فيه نصرة المظلوم، والمحروم. والخلاصة أنه في مثل هذا اليوم كان النبي، يجدد على أمته عهد الله بالطاعة، ويذكرهم بأن الطاعة هي انتساب لله بكل شيء، فالمعركة معركةٌ بين الخير والشر، والميزان يوم القيامة مأخوذ بهذه الحقيقة، وهو يطال رغباتك وشهواتك وعلاقاتك بالآخرين، ومواقفك من الظلم، والفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي، واحتكار الأسواق، ووضع الناس والبيئة الاجتماعية”.
وتابع قبلان: “خاصة، أننا نعيش في وطن تم نهبه، ليس من الطبقة السياسية فحسب، بل بشراكة عصابات مالية واقتصادية، وحيتان أسواق ومؤسسات، ومصالح وعقليات لم تبق ولم تذر، وهو لا يطال التاجر الكبير أو كارتيلات المال والأسواق فقط، بل يطال كل من يتلاعب بالأسعار، ويزيد من أزمة الناس والمجتمع، خاصة أولئك الذين تحولوا حطبا للعبة الدولار والأسعار، فهذا حرام وخيانة وإثم، ومن يفعل ذلك بعيد من الله قريب من النار”.
وقال: “ندعو في هذه اللحظات التاريخية لبلد مأزوم، أن نكون يدا واحدة، وموقفا واحدا، في مواجهة الظلم بشخص الظالم، وضد الفساد بشخص الفاسد، وضد من نهب البلد بشخص الناهب، فالاستحقاقات على الأبواب وبخاصة الانتخابية. فلذا ومن الموقع الديني واعتمادا على ما روي عن النبي: من أحب ظالما فهو ظالم، ومن أعان ظالما فهو ظالم، ومن جير صوته لظالم فهو ظالم، ومن كانت تبعيته لظالم فهو ظالم، ومن سكت عن ظالم فهو ظالم، إلا ما يشترط الله من قول أو فعل أو سكوت. وكمشهدية للواقع السوداوي الذي نعيشه، البلد منهار، كوارث لا حدود لها، تفليس شبه شامل، جرائم، فوضى، جوع، بؤس، سرقات، طوابير منكوبة، كيانات انتهازية، واحتقار شامل للناس، ونهش لودائعها، فساد أخلاقي غير مسبوق، اقتصاد معدوم، لا خدمات حكومية، لا هيبة للدولة، لا قدرة للسلطة، شلل حكومي معيب، مؤسسات انهارت، الليرة انتهت، وحشية مال، وتجار أنهوا على كل شيء، وسيطرة كاملة لمستوردي السلع والبضائع والمواد الغذائية والأفران والمحطات وذئاب المصالح القذرة، إذلال لا سابق له للناس أمام المصارف والتعاونيات ومحطات البنزين، في ظل طبقة سياسية عطلت وأفسدت كل شيء، ولا تزال تمارس النهب والنصب والتكاذب على الناس في بلد أفلسوه، ودولة تقاسموها، وشعب حاصروه بالجوع وأغرقوه بالأزمات، فبات فريسة الجرائم التي تجتاح لبنان من أقصاه إلى أقصاه”.
كما أوضح أنه “من هنا نقول: إن البقاء بلا حكومة يعني إنهاء البلد الذي بات بحاجة ماسة إلى حكومة طوارئ، حكومة توقف هذا الانهيار المرعب، لأنه لا إنقاذ قبل الانتخابات النيابية، التي ستكون مفصلية هذه المرة، وسيختلط فيها الدولي بالإقليمي والمحلي بشكل لا سابق له، فالبلد إقليميا ودوليا تحت الطاولة وليس فوقها، وحتى لو وضع فوقها لا تتوقعوا الكثير، لأن لبنان عقدة إقليمية دولية، تتقاطعه أكثر الملفات الحساسة دوليا وإقليميا”.
واعتبر المفتي أن “المطلوب أميركيا هو لبنان الضعيف لا لبنان القوي، لبنان المستسلم لا لبنان السيد، لبنان الممنوع من موارده لا لبنان المتمكن من ثروته الغازية والنفطية، لأن ذلك يعطيه قوة الموقع والنفوذ، وقوة المواجهة، وقوة إفشال كل مشاريع الدمج والتوطين والتطبيع، وهذا ممنوع أميركيا، وعلى قاعدة ما يخدم تل أبيب يخدم واشنطن في لبنان. ما يعني أن الأزمة طويلة، وعلينا أن نتكيف مع وضعية لبنان الجديد، فلبنان القديم انتهى، والمطلوب العمل بهدوء وعقلانية على صيغة حكم سياسي، بعيدا من الطائفية السياسية، لأن الطائفية السياسية سرطان هذا البلد، ويجب الخلاص منها لصالح دولة المواطنة، بعيدا من الطوائف والأديان مع احترامنا الشديد للجميع. إنها فترة عصيبة تفرض علينا أن نتعاون وأن نتضامن وأن نؤكد وحدتنا الوطنية من خلال مشاريع صمود وثبات، اجتماعية وزراعية وصناعية وإغاثية، تتناسب مع الوضع الجديد، لأن خلاصة هدف واشنطن بخصوص لبنان يعني استنزافه تمهيدا لاستسلامه. بصورة أوضح، إن حال البلد مرتبط بالوضع الدولي والإقليمي والحكومة أيضا رهينة هذه المعادلة، وهي جزء منها، فالمعركة الآن معركة: أي لبنان؟ وأي هوية سياسية؟ وكيف؟ وضمن أي توازنات دولية وإقليمية؟ من هنا ندعو إلى تأمين قوة الداخل، إلى التماسك، إلى وقف السجالات والتحديات والمكايدات، بل أكبر خطوة على طريق الإنقاذ الداخلي تمر عبر تشكيل جبهة وطنية يشترك فيها المسلم والمسيحي لمواجهة الاستحقاقات الكبيرة، ومنها الانتخابات النيابية، لأن البلد يعيش لحظة سقوط عامودي، ونحن بأمس الحاجة لأخذ قرارات تاريخية، خاصة على مستوى تنظيف السلطة من الفساد، والخيار الانتخابي هو خيار مفصلي في هذا المجال”.
كذلك لفت إلى أنه “كتحذير استباقي، يجب أخذه على محمل الجد، أقول: لا تراهنوا على سكوت الناس، لأنه جمر تحت الرماد. وأنصح السلطة بعدم اللعب برغيف الناس وحاجاتها الأساسية، لأنها آخر مصافي صبر الناس. والوضع الآن حبس أنفاس، وأي خطأ يتعلق بحاجات الناس لن يمر بسلام، فالأمن والسلم الأهلي وعدم الفوضى وحماية البلد يمر جبرا بحاجات الناس وتأمينها. ونصيحتي لا تحرقوا البلد بحرق أسعار النفط والغاز والدواء والغذاء، لأن أي حماقة في هذا المجال ستحرق البلد بما فيه. إن المطالبات الأمريكية الأوروبية واحدة، والعين على التطبيع، وتغيير قوة التوازنات في المنطقة، وحجر الأساس في السياسات الأمريكية في المنطقة يمر أولا وآخرا بحماية تل أبيب وتكوين قوة إقليمية تخدم نفوذها وجبروتها، والحل بالخيارات الكبيرة، لأن تجربتنا مع الأمريكي مخزية، ولا يجوز أن يبقى لبنان رهن اللوبي المصر على أمركته”.
وختم قبلان: “ما يقوم به الصهيوني تجاه القدس وغزة جريمة حرب سيتبعها ندامة، وما يجري في فلسطين له ارتباط شديد بالمنطقة وميزانها، وتسوياتها، وزمن الرعب الإسرائيلي قد انتهى، والمعادلة اليوم حركات مقاومة حولت تل أبيب إلى كيان مطوق بالصواريخ الثقيلة، وترسانة تنتظر لحظة حسم استراتيجي على مستوى المنطقة. ولا يسعنا ونحن في هذا اليوم المبارك إلا أن نبارك بقوة، ونؤيد بشدة المبادرات والمساعي الهادفة إلى إعادة ترتيب المنطقة عبر التواصل السعودي – الإيراني، والسعودي – السوري، الذي نأمل أن يتعزز ويتكرس تقاربا وتعاونا تاما بين دول المنطقة وشعوبها، وهذا ما كنا ندعو إليه ونطالب به اليوم قبل غد، لأن ضمان المنطقة واستقرارها لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تسوية تاريخية بين طهران والرياض. والمعادلة الأكيدة اليوم وغدا أن زمن واشنطن وتل أبيب كقوة هيمنة في الشرق الأوسط إلى زوال متعرج، وهذا ما يجب أن تأخذه دول المنطقة في الاعتبار”.