كتب منير الربيع في “المدن”:
حتى الصواريخ الثلاثة البلا هدف لم تتمكن من كسر الرتابة اللبنانية القاتلة. أُطلقت من الجنوب في إطار التضامن المعنوي، وبغياب أي قرار لبناني تصعيدي في هذه المرحلة. لبنان لا يبحث عن تصعيد أي معركة، وحزب الله كذلك.
الصراع ليس عسكرياً
إلى جانب المعركة العسكرية والصاروخية التي يخوضها الفلسطينيون في غزّة، ثمة معركة أكبر وأهم واكثر استراتيجية تلك التي يخوضها الفلسطينيون في القدس وأراضي الـ48 والضفة الغربية. هذا الصراع له أكثر من بعد، وغير قابل للهزيمة لا عسكرياً، ولا للتفاوض بين الدول. إنه عنصر الوجود الإنساني بمعناه البشري أو الديمغرافي. وهو أكثر ما يتهدد إسرائيل، وينخرها من الداخل. تحركات فلسطينية ناجمة عن مبدأ التمسك بالأرض، وعدم دفن القضية. والشعب الفلسطيني هو القضية بحدّ ذاتها. واقع جليل فَرَضَ على إسرائيل وصفه بـ”الحرب الأهلية”، علماً انه لا يخرج عن سياق التحرك للدفاع عن النفس من دون سلاح. في هذه المعادلة لا يحتاج الفلسطينيون لمن يدعمهم، ولا من يدّعي نصرتهم أو تزويدهم بالأسلحة. حرب السلاح حساباتها في بيادر السياسة، أما حرب الوجود فحساباتها تاريخية ومصيرية.
إسرائيل تحاول استنساخ تجربة لبنان في العام 2006، من خلال عملياتها العسكرية في غزة. وهي تريد من الولايات المتحدة الأميركية تأجيل جلسات مجلس الأمن لتحقيق أي مكسب عسكري في غزة، يفرض على القوى الفلسطينية تنازلاً كبيراً أو ارتضاءً بدخول قوات طوارئ دولية على قرار القرار 1701، الذي أُقرّ للبنان، وتوقفت بموجبه العمليات العسكرية في آب 2006. حينها أيضاً كانت غزة تخوض صراعاً مع إسرائيل، وكان لبنان وغزة ميادين التفاوض على الحامي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.
أما المعركة في هذه المرحلة مختلفة كلياً، على الرغم من سعي إيران إلى الإستفادة منها في معركتها التفاوضية، وكذلك بالنسبة إلى إسرائيل. وهذا أمر يضرب حقيقة النضال الفلسطيني الذي بدأ دفاعاً عن حي الشيخ جراح، وتمدد وتوسع أكثر، من النهر إلى البحر.
ترابط المنطقة
لا قرار في لبنان بالتصعيد على إيقاع التصعيد الحاصل في فلسطين. ومن يمتلك قرار التصعيد يريد الحفاظ على التهدئة بهذه المرحلة. لا، بل ينظر إلى غزة على أنها تتولى المهمة، فيما لبنان يدخل في طور الأزمة الباردة أو المجمدة، التي لا تستدعي لا اهتماماً دولياً ولا إقليمياً. وبالتالي، أي تصعيد عسكري أو انعكاس لمجريات الصراع على اراضيه، لن يستدعي أي اهتمام أو مساعدة، ولن يجذبه إلى ميدان التفاوض أو يحوله إلى مادة تفاوضية.
لكن، بلا شك، كل ما يجري في المنطقة، من غزة وكل فلسطين إلى لقاءات بغداد وملف ترسيم الحدود، مرتبط ببعضه البعض. كل طرف يسعى إلى تعزيز شروطه. الإسرائيلي يحاول عرقلة الاتفاق النووي وفرض أمر واقع جديد، كما كان الوضع في العام 2014. ولكنه لن يتمكن من ذلك بسبب حماسة الأميركي إلى عقد الاتفاق. إيران تستثمر في ما يجري بغزة، لتخفيف الضغط عن نفسها. السعودية تريد تصفير مشاكلها قبل الوصول إلى اتفاق إيراني أميركي. اسرائيل تسعى إلى ترسيم الحدود مع لبنان بواسطة الولايات المتحدة الأميركية، وضبط الوضع على الحدود الجنوبية. وربما في المرحلة المقبلة سيتم فرض شرط جديد يتعلق بالانتهاء من الترسيم البري أيضاً على إيقاع الترسيم البحري.
تجديد التحركات الشعبية؟
في ظل هذه التطورات، لا يزال لبنان يعاني من الانسداد السياسي، والانهيار الاقتصادي، الذي ينذر بعدم القدرة على إنتاج الحلول. وهناك رهان على تجدد التحركات الشعبية، التي ستكون مستثمَرة من جهات متعددة، سواء كانت معارضة أو من ضمن أطراف السلطة، أو الموالين للعهد، في سبيل الضغط على الخصوم والمختلفين، وخصوصاً على سعد الحريري، لتحميله مسؤولية التعطيل. كل ذلك، الهدف منه الاستثمار في الوقت الضائع، أو تقطيع الوقت، بانتظار تطورات المنطقة وتحولاتها واحتمال انعكاسها على لبنان، وحمل بوادر لتشكيل الحكومة التي ستكون مرتبطة بإيجاد حلول لملفات أخرى تهمّ المجتمع الدولي، سواء على الحدود الجنوبية أو على الحدود الشرقية.