كتب منير الربيع في “المدن”:
يعيش لبنان ما دون السياسة. وربما على درجة أدنى من التطورات في المنطقة، وفي مرتبة متأخرة جداً عن المبادرات المواكبة للتطورات الخارجية، تصعيداً أو تهدئة وبحثاً عن فرص التفاوض. فالمنزلة التي يتربع فيها المسؤولون اللبنانيون عالقة وغارقة في النكايات وحرب تسجيل النقاط، وهيهات أن تقدم مبادرات وحلول للأزمة وتشكيل الحكومة.
استئناف الشلل السياسي
و”سياسات” الأطراف اللبنانيون تهدف فحسب إلى إيجاد تبريرات لتأخير التشكيل، والتراشق بالتهم. ولو اقتضى ذلك اللجوء إلى الشارع وتنفيذ تظاهرات ترعاها القوى السياسية المتنافرة، في موازاة حملاتها السياسية المتبادلة.
وعدا عن التعاطف الكلامي المعنوي مع فلسطين وغزّة، لم تبرز أي مواقف سياسية فعلية تربط لبنان بما يجري إقليمياً. فلا رغبة لأي طرف بالتصعيد ولا بالتحرك على إيقاع التطورات الفلسطينية. لذلك من المنتظر بعد عطلة الأعياد أن تعود السياسة في لبنان إلى اشتباكاتها اليومية المعهودة بين القوى المتخاصمة. فتبقى المواقف على حالها: رئيس الجمهورية وفريقه يشنون المزيد من الحملات ضد الرئيس المكلف سعد الحريري. والحريري يرد على ما يتعرض له من تهم وحملات.
توترات في الشارع؟
ولا يبدو الفريق الرئاسي بعيداً عن استهداف رئيس مجلس النواب نبيه بري، بوصفه الداعم الأكبر لسعد الحريري الذي يرفض صيغ اعتذاره واستبداله. وكل حملة يتعرض لها بري لن يقف متفرجاً عليها وعلى تداعياتها. بل سيرد بحملة مضادة، تحمّل رئيس الجمهورية مسؤولية التعطيل والاستمرار بالاستثئار بالحكومة، وبمؤسسات الدولة كافة. وقد تكبر هذه الحملة وتتعاظم، وتؤدي إلى توترات في الشارع.
وهنا لا بد للأنظار من أن تتجه مجدداً إلى حزب الله وموقفه. فهو لا يريد خسارة حليفه ميشال عون، ولا خسارة الرئيس المكلف سعد الحريري، ولا الاصطدام بنبيه بري.
حزب الله الرمادي
ولذلك يفضّل حزب الله البقاء في منزلة الصمت الرمادي والمراقبة والانشغال بتداعيات الأوضاع الخارجية، متجنباً الغرق في يوميات الداخل التي قد تحرجه أكثر، وتستنزفه سياسياً.
لقد أصبح لدى حزب الله سبب جديد للصمت الداخلي، وما هو أهم استراتيجياً. وهو يرى أن التطورات الإقليمية تصب في صالحه على المستوى الاستراتيجي. وهذا يظهر في المرحلة المقبلة، فيعزز الحزب إياه حضوره ووضعيته السياسية في الداخل اللبناني أكثر، فيبقى هو الحاجة للجميع.
وانتظار موقف حزب الله الواضح سيطول على الأرجح. فهو لا يريد إحراج نفسه. وفي الاثناء سيكون موقف الحريري بعد عودته من الخارج، في منزلة بين اثنتين: إما التنازل والتراجع، وهذا غير مطروح حتى الآن. وإما الثبات والبقاء على موقفه، وهذا المرجح.
وعلى هذا الأساس يسلك رئيس الجمهورية ويتصرف مع الوقائع. ولذلك يعمل فريقه على إعداد العدّة لتحميل المسؤولية لرئيس تيار المستقبل. وقد استبق ذلك بلقائه مع السفيرة الفرنسية آن غريو وحمّلها رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وعلى الأرجح أنها تتضمن تحميل مسؤولية التعطيل كاملة للحريري: تعطيل تشكيل الحكومة، وكذلك التدقيق الجنائي. والأخير مطلب فرنسي أدرج في بنود المبادرة الفرنسية.
ورسالة عون جاءت في أعقاب تسريب معلومات عن اقتراب صدور العقوبات الفرنسية بحق مسؤولين لبنانيين، ومع استمرار الضغط الفرنسي على دول الاتحاد الأوروبي لفرض عقوبات أوروبية.