وقعت الحكومة الإيطالية واليونسكو اليوم الأحد اتفاقية تمويل بقيمة مليون يورو، لدعم إعادة تأهيل وإعادة فتح متحف سرسق في بيروت، من خلال الوكالة الإيطالية للتعاون الإنمائي (AICS) وفي إطار مبادرة اليونسكو الرئيسة “لبيروت”.
وقد وقعت نائبة وزير الخارجية الإيطالية مارينا سيريني ومديرة مكتب اليونسكو في بيروت كوستانزا فارينا مذكرة التفاهم، في الباحة أمام متحف سرسق، بحضور رئيس مجلس أمناء المتحف الدكتور طارق متري، والسفيرة الايطالية في لبنان. وذلك بعد جولة على هذا المعلم اللبناني التاريخي الذي تضرر بشدة جراء تفجيرات مرفأ بيروت في 4 آب 2020.
واستجابة للدعوة إلى دعم مبادرة “لبيروت”، التي تمت الموافقة عليها خلال الدورة 210 للمجلس التنفيذي لليونسكو في تشرين الثاني 2020، كانت إيطاليا أول دولة بين الدول الأعضاء في اليونسكو التي التزمت، ما بعد التدخلات الطارئة الأولى، بالاستثمار في مشروع على نطاق واسع، لاسترداد التراث الثقافي ومؤسساته عافيتها على المدى الطويل.
وسيتم استثمار الأموال الإيطالية على مدار عام واحد، للمساهمة في نهاية المطاف في إعادة فتح المتحف للجمهور، من خلال تنفيذ أعمال إعادة التأهيل مع توفير الظروف المناسبة للحفاظ على التراث والمجموعات وإتاحتها للجمهور، ولعب دور تعليمي أساسي في النسيج العمراني والأحياء التاريخية النابضة بالحياة في العاصمة. على ضوء توصية اليونسكو لعام 2015 بشأن حماية وتعزيز المتاحف والمجموعات وتنوعها ودورها في المجتمع، وستساعد إيطاليا واليونسكو المتحف في استعادة دوره المتزايد باستمرار في المدينة، مع تحفيز الإبداع وتجديد الحياة الثقافية، وتوفير الفرص للصناعات الإبداعية والثقافية، والمساهمة في الرفاه المادي والروحي للمواطنين والزوار”.
وقال متري: “اعبر عن امتناني لجعل تأهيل هذا المتحف ممكنا في الشهور الستة المقبلة، سأكون شاهدا في السنين الاتية بان إيطاليا كانت في الايام الصعبة دائما الى جانب لبنان، اتذكر بامتنان ما قدمته إيطاليا الى لبنان عام 2006. وعندما ازور إلمسؤولين الايطاليين يتكون لدي انطباع بان التعاون الأوروبي المتوسطي مسألة جدية بالنسبة إليهم، انه التزام على مستوى صانعي القرار في بلدكم. ومتحف سرسق مؤسسة ثقافية تعمل كمساحة عامة للتبادل واللقاء وهو مساحة تهدف الى تعزيز الانفتاح ودعم إنتاج المعرفة”.
واوضح: شأننا شأن الكثير من ابناء بيروت لحقت بنا اضرار كبيرة في انفجار الرابع من أب وكانت الأولوية للناس الذين خسروا بيوتهم وظروفهم المعيشية ازدادت سوءا، ولم نكن في البداية الا مقتنعين بان وقت دعم المؤسسات الثقافية سيأتي وقد اتى، نحن مؤسسة ثقافية ولكننا جزء من الفضاء العام لمدينة بيروت وما جرى للمدينة ليس فقط تدمير المنازل وخسارة كبيرة في الارواح بل خسارة كبيرة حلت في المدينة التي تتنفس من خلال فضاءاتها العامة ولذلك نعتبر ان اعادة تأهيل هذا المتحف هو جزء من إعادة الحياة لهذه المدينة والى هذه الرئة التي تتنفس بها بيروت على رغم كل المصاعب وعلى رغم كل ما امتحنتنا الايام به.”
من جهتها، اعتبرت نائبة وزير الخارجية الايطالية سيريني “ان الاتفاقية التي توقعها اليوم هي احدى النتائج الملموسة للالتزام الذي تعهدت به الحكومة الايطالية لحماية وإعادة تأهيل التراث الثقافي اللبناني الذي تضرر من انفجار بيروت في 4 اب”.
وقالت: “يشهد مشروع اعادة تأهيل متحف سرسق الذي تطلقه إيطاليا ومنظمة اليونيسكو في مجال الارث الثقافي على التزام إيطاليا القوي للنهوض ببيروت بعد الانفجار، وهو التزام اتخذته مختلف الجهات التي تعمل تحت مظلة التعاون الايطالي في لبنان ومنها: الوكالة الايطالية للتنمية والمنظمات الايطالية غير الحكومية المنتشرة في كل أنحاء البلاد. وان اربعا من هذه المنظمات في صدد اطلاق مشروع مهم لاعادة إحياء الانشطة الاقتصادية والاعمال الصغيرة والتعليم والحماية والدعم النفسي والاجتماعي للفئات الضعيفة من السكان”.
واضافت: “ان إيطاليا ولبنان هما شريكان طبيعيان ولهما تاريخ غني ومتنوع في مجال الارث الثقافي. وفي خلال السنين تحول التعاون الايطالي شريكا اساسيا في ترميم المواقع الأثرية في بعلبك وجبيل وصيدا وصور. ولقد شعرنا إثر انفجار مرفأ بيروت بأننا نستطيع ان نحشد مساعدة اكبر واضافية، ولقد قدمت الى لبنان فرقة متخصصة باسم “متحدون من اجل التراث” مؤلفة من خبراء مدنيين ومن مرممين وايضا من الوحدة العسكرية الايطالية المتخصصة في حماية الارث الثقافي”.
ولفتت سيريني الى أننا “نعمل بشكل وثيق وفعال مع المديرية العامة للاثار التي اود ان اشكر اليوم التزامها الذي لا يكل، وقد قامت الفرقة الايطالية “متحدون من اجل التراث” بمسح الاضرار التي لحقت بالمناطق المجاورة للمرفأ وايضا ساهمت في تحديد المناطق حيث ستنجز المشاريع”.
وكشفت أنه “تم اعداد ثلاثة مشاريع بصيغتها النهائية وستتولى إيطاليا تنفيذها وذلك بقيمة 5 ملايين اورو. المشروع الاول هو إعادة التأهيل البنيوي لمتحف سرسق وتبلغ قيمته مليون اورو وسيتم التنفيذ بالاشتراك مع اليونسكو، ونؤمن بهذا المشروع شديد الايمان لاننا على يقين ان متحف سرسق يمثل لبيروت وللشعب اللبناني مركزا اساسيا في قلب النسيج الاجتماعي والثقافي لمدينة بيروت وهو احد رموز بيروت ومكان مفتوح للجميع.
والمشروع الثاني هو اعادة تأهيل المنازل للعائلات ذات الدخل المحدود في منطقة الكرنتينا ومار مخايل بالتعاون مع منظمة الامم المتحدة للمستوطنات البشرية وهذه المبادرة تهدف الى الحفاظ على الهوية الاجتماعية للمناطق التي تضررت من الانفجار وسيتم دفع تكاليف اعادة الاعمار مما يسمح للسكان بالعيش مجددا في منازلهم حيث لديهم جذورهم وحس الانتماء.
اما المشروع الثالث فهو إعادة تأهيل سكة القطار في مار مخايل بالاشتراك ايضا مع منظمة الامم المتحدة للمستوطنات البشرية ومن خلال هذه المبادرة تلتزم إيطاليا تحويل هذه المنطقة المهجورة الى حديقة اثرية صناعية وهي مساحة خضراء في قلب المدينة”.
وختمت: “نحن نؤمن بقوة بأن الثقافة وحماية الارث الثقافي هما حاجة في الازمات اكثر من أي وقت مضى لذلك يمكن للشعب اللبناني ان يستمر في الاعتماد على دعم وشراكة الحكومة الايطالية”.
من جانبها، أشارت كوستانزا فارينا إلى أن “مبادرة “لبيروت”، التي أطلقتها المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي خلال زيارتها لبيروت في آب 2020، تمثل التزام اليونسكو ومشاركتها الاستباقية لحشد الشراكات والموارد لدعم إعادة إعمار المدينة”.
وأضافت: “يسعدني أن أوقع هذه الاتفاقية مع إيطاليا اليوم، لأنها تشكل أكبر مساهمة مالية من دولة عضو في اليونسكو لأنشطة “لبيروت” للتراث الثقافي ولمتحف سرسق بالتحديد. أحيي إيطاليا على استجابتها الإيجابية لدعوتنا التي ستدعم إعادة تأهيل المتحف وتنشيطه كمبنى تراثي ومروج للحياة الثقافية”.
وجاء في بيان مشترك وزعته اليونسكو والوكالة الايطالية للتعاون الانمائي ان متحف سرسق يقع في الأشرفية، وهو أحد المعالم القليلة الشاهدة على العمارة والقصور اللبنانية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، من الطراز الفينيسي والعثماني في بيروت. وهو يقع في فيلا نيكولا سرسق التي تعود الى عام 1912 والذي تبرع بها مع مجموعاته لبلدية بيروت، محتما استخدام الفيلا كمتحف للفن الحديث والمعاصر. تم افتتاح المتحف في عام 1961، ويضم الآن في مجموعته الدائمة أكثر من 1500 قطعة بما في ذلك اللوحات والمنحوتات والمنسوجات والتركيبات، بالإضافة إلى أكثر من 30 ألف صورة فوتوغرافية وبطاقات بريدية ومخطوطات قيمة من مجموعة فؤاد دباس وغيرها. في أيلول 2020، في أعقاب تفجيرات بيروت، قدر المتحف الأموال اللازمة لإعادة التأهيل بـ 3 ملايين دولار، وسيمكن التمويل الإيطالي بشكل كبير من تحقيق هذا الهدف.
أما مبادرة “لبيروت” فهي نداء دولي لجمع التبرعات أطلقته المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي من بيروت في أعقاب تفجيري المرفأ، في 27 آب 2020، لدعم إعادة تأهيل المدارس والمباني التراثية التاريخية والمتاحف والمعارض والصناعة الإبداعية، والتي تعرضت جميعها لأضرار جسيمة.
اما الأعمال المنوي تنفيذها فتستند إلى “تقرير تقييم الأضرار التي لحقت بالمتحف”، الذي أعدته إدارة المتحف. وبحسب التقرير الصادر في أيلول 2020، تقدر قيمة الأموال اللازمة لإعادة تأهيل المتحف بالكامل بـ 3 ملايين دولار. في الواقع، مول مانحون آخرون جزءا من الأعمال وسيكون من الممكن بفضل المساهمة الإيطالية استكمال الأعمال الأخرى اللازمة لإعادة فتح المتحف أمام الجمهور، وهي: أنظمة الإضاءة في صالات العرض، استبدال التقسيمات الداخلية، إعادة تركيب الأبواب المضادة للحريق، استبدال الجدران الزجاجية (كافيتريا ودورات المياه وغرفة المعدات السمعية البصرية) والأسقف المعلقة، تشغيل الأنظمة الكهربائية والميكانيكية، ترميم الأجهزة الملحقة (الأجهزة الكاشفة للدخان والكاميرات لأنظمة المراقبة ومجاري الهواء والمستلزمات الخاصة بالتكييف).
والمستفيدون المباشرون وغير المباشرين: متحف سرسق، سكان بيروت والشعب اللبناني بشكل عام، الباحثون والعلماء ومؤرخو الفن والنقاد والمنظمات الثقافية، السياح.