لعل السؤال الأخطر والذي لم يُجب عليه أحد حيال كل ما يجري من مواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو: من خدم إسرائيل وأراحها بنقل المواجهة من القدس إلى غزة وتل أبيب؟
منذ الساعات الأولى للمعركة أثبت المقدسيون أنهم على قدر المواجهة التي استعادت كل الأنظار العالمية إلى قضية القدس، وهي القضية الرابحة بالنسبة إلى الفلسطينيين أمام الرأي العام العالمي، فلا يحق لأحد أن يمنع أي مؤمن من الصلاة سواء في المسجد الأقصى أو في كنيسة القيامة أو أي صرح ديني.
المفاجأة التي حصلت وحوّلت أنظار العام في اتجاه آخر تمثلت في دخول حركة “حماس” على خط المعركة من خلال قرارها المفاجئ بإطلاق آلاف الصواريخ من غزة باتجاه تل أبيب وعدد من المستمعرات الإسرائيلية. وفي هذا الإطار ثمة أسئلة لا بدّ منها:
ـ أولاً، كيف يمكن فصل التوقيت الذي اختارته “حماس” عن المصالح الإيرانية؟ ففي التوقيت الذي كانت إيران فيه غير مرتاحة إلى مسار المفاوضات النووية في فيينا، وبعد إعلان الناطق باسم الخارجية الإيرانية عن وصول هذه المفاوضات إلى طريق مسدود بعد رفض الوفد الأميركي رفع العقوبات عن 500 اسم وكيان إيرانيين… انطلقت صواريخ “حماس” لتمارس الضغط على واشنطن من بوابة تل أبيب!
ـ ثانياً، وأيضاً في التوقيت الإيراني المناسب بعد الزيارة الصاخبة في مضمونها للوفد الأمني الإسرائيلي إلى واشنطن، وفي ظل التوجّس الإيراني من إقدام إسرائيل على توجيه ضربة إلى طهران ومفاعلاتها النووية، وبعد ساعات على بدء أكبر مناورة في التاريخ الإسرائيلي الحديث والتي كانت تحاكي فتح كل الجبهات، انطلقت صواريخ “حماس” في معركة إلهاء لإسرائيل بالغة الدلالات والرسائل، ومنها أن توجيه أي ضربة لطهران ستعني إطلاق عشرات آلاف الصواريخ من غزة ولبنان وربما سوريا!
ـ ثالثاً، لا بدّ من السؤال أنه وفي حين خدمت صواريخ “حماس” الأهداف الإيرانية هل زعجت إسرائيل؟ والجواب عن هذا السؤال قد يبدو صادماً للكثيرين، لأن هجمات “حماس” الصاروخية أراحت إسرائيل على أكثر من مستوى:
أـ نقل المعركة من القدس وحقوق المقدسيين وجميع الفلسطينيين فيها في مواجهة الغطرسة والممارسات العنصرية والعدوانية الإسرائيلية، إلى مواجهة بين صواريخ حماس من غزة على تل أبيب والغارات الإسرائيلية وتدمير غزّة.
ب ـ دخول “حماس” بصواريخها أراح إسرائيل أيضاً لأنه جعل غاراتها على غزة بمثابة ردّ على استهداف المدنيين الإسرائيليين في تل أبيب، وهذا ما خفّف الضغط العالمي عن إسرائيل التي قتلت الكثير من المدنيين والأطفال في غاراتها على غزّة.
ج ـ كثر سألوا أنه وطالما أن “حماس” تملك كل هذه الإمكانات الصاروخية القادرة على استهداف كل المواقع الإسرائيلية فماذا كانت تنتظر؟ ولماذا لم تبدأ معركة تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ وهل الهدف من اقتناء كل هذه الصواريخ هو الدفاع عن الستاتيكو الحالي الذي يخدم إسرائيل ويضيّع حقوق الفلسطينيين أم الهدف منها تحرير الأراضي المحتلة؟ أم أن الأمرة على صواريخ “حماس” هي بيد طهران والحرس الثوري الإيراني ولا يمكن استخدامها إلا في التوقيت الذي يخدم المصالح الإيرانية حصراً؟
هذا هو واقع الحال في كل ما يجري، وتفاصيل سير المواجهات في الساعات والأيام المقبلة في خدمة المصالح الإيرانية في “ليالي الأنس في فيينا” بين الوفدين الإيراني والأميركي ستؤكد على صوابية القراءة أعلاه وكيف أن الفلسطينيين بعد اللبنانين يدفعون الأثمان الباهظة خدمة لمفاوضات إيران النووية وأطماعها التوسعية في كل المنطقة!