رأى رئيس الجمهورية ميشال عون أن التأخير في تشكيل الحكومة بعد مرور اكثر من ستة اشهر ونيف على تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيلها، “لم تقتصر مفاعيله السلبيّة على نشوء السلطة الإجرائيّة وانتظام عمل السلطات الدستوريّة وفقاً لأحكام الدستور، بل أنّها انسحبت على الاستقرار السياسي والأمان الصحّي والاجتماعي والاقتصادي والمالي والخدماتي العام وحالت دون المعالجة الناجعة لملفات حسّاسة في ظلّ أزمات موروثة ومتناسلة أو حالّة ومتفاقمة على أكثر من صعيد”.
واعتبر، في رسالة وجهها الى مجلس النواب بواسطة رئيس المجلس نبيه بري، ان أسباب التأخير في استيلاد السلطة الإجرائية ” لا يجوز أن تبقى موضع التكهّن أو الالتباس أو الاجتهاد، داخليّة كانت أم خارجيّة، كما أنّها لا يجوز أن تأسر التأليف إلى أفق زمنيّ غير محدد فتؤبّد التصريف، لاسيّما أنّ الحكومة المنتظرة إنما هي حكومة إنقاذ لبنان من أزماته الخانقة المذكورة، وأنّ تأليف الحكومة هو عمل دستوري وجوبي وليس من قبيل الاستنساب والترف، فضلاً عن أنّ الأعراف الدستوريّة إنما ينشأ جلّها في سياق استحقاقات دستوريّة محوريّة ومفصليّة، بحيث يجب على رئيس الجمهوريّة المؤتمن على الدستور السهر على أن لا تنشأ أعراف دستوريّة خاطئة عند إنشاء السلطات الدستوريّة.”
وقال: “اصبح من الثابت ان الرئيس المكلف عاجز عن تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ والتواصل المجدي مع مؤسسات المال الأجنبيّة والصناديق الدوليّة والدول المانحة، لوضع برامج المساعدات التي من شأنها إنقاذ الوطن النازف دماً غالياً على جميع الصعد، ولا يزال يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبّده كما يأسر الشعب والحكم ويأخذهما معاً رهينة مساقة إلى الهاوية متجاهلاً كلّ مهلة معقولة للتأليف”.
واعتبر ألا “محال من التقيّد بالنهج الواجب والمعهود في تأليف الحكومات وفقاً لأحكام المادتين 53 (فقرة 4) و 64 (بند 2) من الدستور، وهو نهج يفترض تبياناً واضحاً لا لبس فيه للكتل البرلمانيّة المشاركة في الحكومة أو الداعمة لها، ويرتكز على عدالة توزيع الحقائب بينها، ويحاكي التمثيل الشعبي في ظلّ نظامنا الديمقراطي البرلماني، كون الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر المؤسسات الدستوريّة، على ما يرد في الفقرة (د) من مقدّمة الدستور، هذه المحاكاة التي تعني عمليّاً اعتماد معايير واحدة في التأليف من دون السماح بالإقصاء أو الاحتكار، حفاظاً على عدالة التمثيل المذكورة والمنصوص عنها في المادة 95 من الدستور (الفقرة أ) وعلى الميثاقيّة التي تتوافر، بنتيجة الأمر، عند احترام مبادئ الدستور وأحكامه والأعراف الدستوريّة، وتوسّل التضامن الحكومي عند التأليف”.
وبعدما اكد عون في رسالته على انه مؤتمن، بصفته رئيساً للجمهورية، ليس فقط على احترام المبادئ أعلاه في آليّة تأليف الحكومات، بل أيضاً على ضرورة تأمين الثقة لها في مجلس النواب، كي لا تنتقل البلاد والعباد من حكومة تصريف أعمال إلى حكومة تصريف أعمال أخرى، قال ان الرئيس المكلف “يصرّ حتى تاريخه على عدم التقدّم بتشكيلة حكوميّة تحظى باتفاقنا وتتوافر معها الثقة المطلوبة من مجلس النواب وفق النصّ الدستوري، فضلاً عن انقطاعه عن إجراء الاستشارات النيابيّة اللازمة مع مختلف الكتل النيابيّة (…) والأدهى أنّه منقطع عن التشاور المستمرّ والواجب مع رئيس الجمهوريّة للاتفاق على تشكيلة حكوميّة تتوافر فيها ثقة مجلس النواب واللبنانيين والمجتمع الدولي”.
وطلب عون مناقشة رسالته في الهيئة العامة للمجلس النيابي وفق الأصول “واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب بشأنها لمنفعة الشعب الذي يئنّ ألماً وهو ينتظر حكومته الجديدة على أحرّ من الجمر ويعقد عليها الآمال بدءًا من تحقيق أبسط حقوقه التي يفتقد، وصولاً إلى الأمان الناجز والمستدام الذي يرنو إليه على الصعد كافة (…) كلّ ذلك بهدف تسهيل تأليف الحكومة التي طال انتظارها، الأمر المتاح فيما لو تخلّى السيّد رئيس الحكومة المكلّف عن مقولة أنّه هو من «يُشكّل» الحكومة على أن «يُصدر» رئيس الجمهوريّة المرسوم، في حين أنّ المادة 53 الفقرة 4 من الدستور صريحة لناحية «الاتفاق» قبل إصدار مرسوم تشكيل الحكومة، وأنّ تسلسل الفقرات 2 و 3 و 4 و 5 من المادة المذكورة وصراحة نصوصها إنما يدلان على أنّ الدستور، نتيجة التعديلات التي أُدخلت عليه بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني من مجلسكم الكريم، يولي رئيس الجمهوريّة اختصاصاً صريحاً في معرض استيلاد الحكومات وإنشائها بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلّف، فتغدو صلاحيّته غير مقيّدة ولا يكون مجرّد موثّق لتشكيلة رئيس الحكومة المكلّف، وإلا انتفت المشاركة واندثر الاتفاق ولم تتحقق ميثاقيّة التشكيل ودستوريّته.”
وفي ما يلي نص رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب بواسطة رئيس المجلس نبيه بري:
“رسالة موجهة الى مجلس النواب بواسطة السيد رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري المحترم،
الموضوع : العوائق أمام تأليف الحكومة الجديدة عملاً بأحكام المادتين 53 (فقرة 4) و64 (بند 2) من الدستور، ما من شأنه الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات وتعاونها وتوازنها، فضلاً عن التداعيات على الاستقرار السياسي والأوضاع الصحيّة والاجتماعيّة والخدماتيّة والاقتصاديّة والماليّة والنقديّة المأزومة أصلاً والمتفاقمة في ضوء اشتداد الأثار المدمّرة للسياسات الموروثة والأحداث المستجدّة، وتداعيات كلّ ذلك على جميع الصعد.
بعد التحيّة،
عملاً بالمادة 53 (فقرة 10) من الدستور والمادة 145 (3) من النظام الداخلي لمجلس النواب،
ولما كان التئام مجلس النواب الكريم متاحاً، وهو في العقد العادي الأوّل من اجتماعاته عملاً بالمادة 32 من الدستور، فضلاً عن أنّه في دورة انعقاد استثنائيّة حكماً لمواكبة تأليف الحكومة الجديدة حتى نيلها ثقته، عملاً بأحكام المادة 69 (فقرة 3) من الدستور،
نتوجه إلى مجلسكم الكريم بواسطة رئيسه بالرسالة الآتية لاتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب بشأنها:
إنّ مبدأ الفصل بين السلطات وتعاونها وتوازنها هو من المبادئ الدستوريّة العامة في الأنظمة الديمقراطيّة البرلمانيّة، وهو مبدأ نصّي ورد في الفقرة «هـ» من مقدّمة الدستور اللبناني المستقاة حرفيّاً من «المبادئ العامة» المستهلّة لوثيقة الوفاق الوطني، وهو معطوف على ما ورد في الفقرة «ج» من مقدّمة الدستور من أنّ لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة.
إنّ السلطة الإجرائيّة هي من السلطات الدستوريّة التي ينطبق عليها المبدأ الدستوري المذكور، على غرار السلطة التشريعيّة والسلطة القضائيّة، حيث تنصّ المادة 17 من الدستور على أنّ هذه السلطة تناط بمجلس الوزراء الذي يتولاها وفقاً لأحكام الدستور، ما يجعلها تنهض بولايتها الدستوريّة المكتملة عند تأليف الحكومة ونيلها الثقة من قبل مجلسكم الكريم، بحيث لا يستقيم إعمال هذا المبدأ بانتفائها أو الانتقاص من ولايتها الدستوريّة كما هي الحال بالنسبة للحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة، والحال واحدة، والتي تصرّف الأعمال بالمعنى الضيّق، على ما هي وضعيّة الحكومة الراهنة منذ 10/8/2020، أيّ منذ تاريخ استقالة رئيسها.
إنّ الاستشارات النيابيّة وفق الآليّة المعتمدة في المادة 53 من الدستور (فقرة 2) فد أدّت بتاريخ حصولها في 22/10/2020، وبعد التشاور مع السيّد رئيس مجلس النواب، إلى تسمية السيّد الرئيس سعد الدين الحريري رئيساً مكلّفاً بتشكيل الحكومة الجديدة، التي لم ترَ النور حتى يومنا هذا، أيّ بعد مرور أكثر من ستة أشهر ونيّف على التكليف. إنّ هذا التأخير لم تقتصر مفاعيله السلبيّة على نشوء السلطة الإجرائيّة وانتظام عمل السلطات الدستوريّة وفقاً لأحكام الدستور، بل أنّها انسحبت على الاستقرار السياسي والأمان الصحّي والاجتماعي والاقتصادي والمالي والخدماتي العام وحالت دون المعالجة الناجعة لملفات حسّاسة في ظلّ أزمات موروثة ومتناسلة أو حالّة ومتفاقمة على أكثر من صعيد، في وقت يتعرّض فيه وطن الأرز، من جرّاء موقعه الجيوسياسي، إلى تحديات خطيرة على مشارف الحلول الكبرى والنزاعات المسلّحة التي لا تزال قائمة أو التي استجدت في الإقليم، ويعاني من اختناق معيشي ومالي واقتصادي يهدد بأسوأ العواقب على مناعة الوطن وكيانه.
إنّ أسباب التأخير في استيلاد السلطة الإجرائيّة لا يجوز أن تبقى موضع التكهّن أو الالتباس أو الاجتهاد، داخليّة كانت أم خارجيّة، كما أنّها لا يجوز أن تأسر التأليف إلى أفق زمنيّ غير محدد فتؤبّد التصريف، لاسيّما أنّ الحكومة المنتظرة إنما هي حكومة إنقاذ لبنان من أزماته الخانقة المذكورة، وأنّ تأليف الحكومة هو عمل دستوري وجوبي وليس من قبيل الاستنساب والترف، فضلاً عن أنّ الأعراف الدستوريّة إنما ينشأ جلّها في سياق استحقاقات دستوريّة محوريّة ومفصليّة، بحيث يجب على رئيس الجمهوريّة المؤتمن على الدستور السهر على أن لا تنشأ أعراف دستوريّة خاطئة عند إنشاء السلطات الدستوريّة.
أصبح من الثابت أنّ الرئيس المكلّف عاجز عن تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ والتواصل المجدي مع مؤسسات المال الأجنبيّة والصناديق الدوليّة والدول المانحة، لوضع برامج المساعدات التي من شأنها إنقاذ الوطن النازف دماً غالياً على جميع الصعد، ولا يزال يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبّده كما يأسر الشعب والحكم ويأخذهما معاً رهينة مساقة إلى الهاوية متجاهلاً كلّ مهلة معقولة للتأليف، وفي زمن أحوج ما نكون فيه إلى حكومة إنقاذ من دون أيّ إبطاء متعمّد.
لذلـــــــك،
ومن موقعي والتزاماً بقسمي المنصوص عنهما في المادتين 49 و 50 من الدستور، لا يسعني إلا السهر على أن تنشأ سلطاتنا الدستوريّة بصورة صحيحة ومكينة، كما الإشارة إلى مكامن الخلل في انتظام عملها، وذلك حفاظاً على وحدة الشعب وحقوقه وسلامة الوطن، وحؤولاً دون أن يقع تأليف الحكومة الجديدة فريسة التجاذبات الداخليّة السلطويّة والحسابات أو الرهانات أو الشروط الآسرة أو الأطماع الخارجيّة، وأن لا تطغى سلطة على سلطة.
من هذا المنطلق، لا محال من التقيّد بالنهج الواجب والمعهود في تأليف الحكومات وفقاً لأحكام المادتين 53 (فقرة 4) و 64 (بند 2) من الدستور، وهو نهج يفترض تبياناً واضحاً لا لبس فيه للكتل البرلمانيّة المشاركة في الحكومة أو الداعمة لها، ويرتكز على عدالة توزيع الحقائب بينها، ويحاكي التمثيل الشعبي في ظلّ نظامنا الديمقراطي البرلماني، كون الشعب هو مصدر السلطات وصاحب السيادة التي يمارسها عبر المؤسسات الدستوريّة، على ما يرد في الفقرة (د) من مقدّمة الدستور، هذه المحاكاة التي تعني عمليّاً اعتماد معايير واحدة في التأليف من دون السماح بالإقصاء أو الاحتكار، حفاظاً على عدالة التمثيل المذكورة والمنصوص عنها في المادة 95 من الدستور (الفقرة أ) وعلى الميثاقيّة التي تتوافر، بنتيجة الأمر، عند احترام مبادئ الدستور وأحكامه والأعراف الدستوريّة، وتوسّل التضامن الحكومي عند التأليف، وهو موجب ملازم للعمل الحكومي ومنصوص عنه في النظام الداخلي لمجلس الوزراء ومرادف لفعاليّة السلطة الإجرائيّة وعدم تبعثر نتاجها، وسوى ذلك من المعايير المتوافقة وأحكام الدستور كالجدارة والنزاهة والاختصاص والاستحقاق والكفاءة، حفاظاً على المفاهيم والآليّات الدستوريّة المعتمدة في الدستور عند تأليف الحكومات.
السيّد الرئيس،
إنّي مؤتمن، بصفتي رئيساً للجمهوريّة، ليس فقط على احترام المبادئ أعلاه في آليّة تأليف الحكومات، بل أيضاً على ضرورة تأمين الثقة لها في مجلسكم الكريم، كي لا تنتقل البلاد والعباد من حكومة تصريف أعمال إلى حكومة تصريف أعمال أخرى، غير مكتملة الأوصاف الدستوريّة وغير قادرة على ممارسة صلاحيّاتها بصورة كاملة ومنتظمة، في حين أنّ السيّد الرئيس المكلّف يصرّ حتى تاريخه على عدم التقدّم بتشكيلة حكوميّة تحظى باتفاقنا وتتوافر معها الثقة المطلوبة من مجلس النواب وفق النصّ الدستوري، هذا فضلاً عن انقطاعه عن إجراء الاستشارات النيابيّة اللازمة مع مختلف الكتل النيابيّة على ما هو منصوص عنه في الدستور، على أن يتمّ ذلك بشكلٍ واضح وشفّاف تنكشف معه لكم وللشعب اللبناني مكامن الاتفاق أو الاختلاف مع الكتل المذكورة، والأدهى أنّه منقطع عن التشاور المستمرّ والواجب مع رئيس الجمهوريّة للاتفاق على تشكيلة حكوميّة تتوافر فيها ثقة مجلسكم واللبنانيين والمجتمع الدولي، فينهض لبنان من دوّامة أزماته وتتوافر الإصلاحات والمساعدات اللازمة للإنقاذ الاقتصادي والاجتماعي والمالي والتي لا خلاص للبنان من دونها.
السيّد الرئيس،
نتوجه إليكم بهذه الرسالة، عملاً بمسؤولية مجلس النواب الكريم عن التكليف، تمهيداً لمناقشتها في الهيئة العامة وفق الأصول واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب بشأنها لمنفعة الشعب الذي يئنّ ألماً وهو ينتظر حكومته الجديدة على أحرّ من الجمر ويعقد عليها الآمال بدءًا من تحقيق أبسط حقوقه التي يفتقد، وصولاً إلى الأمان الناجز والمستدام الذي يرنو إليه على الصعد كافة سيّما في ظلّ الأزمات الخانقة التي أشرنا إليها والتي تعصف بوطن الأرز والتي استدعت مبادرات دوليّة وأجنبيّة ذات طابع إصلاحي وإنقاذي تتلاشى تباعاً. كلّ ذلك بهدف تسهيل تأليف الحكومة التي طال انتظارها، الأمر المتاح فيما لو تخلّى السيّد رئيس الحكومة المكلّف عن مقولة أنّه هو من «يُشكّل» الحكومة على أن «يُصدر» رئيس الجمهوريّة المرسوم، في حين أنّ المادة 53 الفقرة 4 من الدستور صريحة لناحية «الاتفاق» قبل إصدار مرسوم تشكيل الحكومة، وأنّ تسلسل الفقرات 2 و 3 و 4 و 5 من المادة المذكورة وصراحة نصوصها إنما يدلان على أنّ الدستور، نتيجة التعديلات التي أُدخلت عليه بعد إقرار وثيقة الوفاق الوطني من مجلسكم الكريم، يولي رئيس الجمهوريّة اختصاصاً صريحاً في معرض استيلاد الحكومات وإنشائها بالاتفاق مع رئيس الحكومة المكلّف، فتغدو صلاحيّته غير مقيّدة ولا يكون مجرّد موثّق لتشكيلة رئيس الحكومة المكلّف، وإلا انتفت المشاركة واندثر الاتفاق ولم تتحقق ميثاقيّة التشكيل ودستوريّته. وتفضّلوا بقبول الاحترام. العماد ميشال عون، رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة”.