Site icon IMLebanon

“تَهَوُّرٌ” لبناني ديبلوماسي يدفع العلاقات مع دول الخليج إلى… المهوار

 

… «كمَن يحْفر نهايتَه بيديْه». هكذا بدا لبنان وسط التمادي في استجرارِ الصدماتِ السلبيةِ من ائتلافٍ حاكمٍ دَفَعَ «بلادَ الأرز» إلى «المهوار» المالي – الاقتصادي ويَمْضي بـ «تَهَوُّرٍ قاتِلٍ» في حرْق «جسور العودة من الجحيم» عبر الإمعان في «محو» الخط الفاصل بين «الدولة» والتموْضعاتِ الإقليمية لأفرقاء داخليين والانقلاب على العلاقات التاريخية مع دول الخليج التي لطالما شكّلت «شبكة الأمان» للوطن الصغير في مَصائبه الكبرى.

وقبل أن يلملمَ لبنان «رمّانةَ» ملف الحدود والمرافئ البرية والبحرية الذي انفجر بين يديْه مع رفْع المملكة العربية السعودية «بطاقةً حمراء» بوجه «استهدافِها» بشحنات مخدرات آتية من أراضيه وكان آخِرها على شكل «رمان ملغوم»، وجدتْ بيروت نفسها في قلْب «إعصارٍ ديبلوماسي – سياسي» يُنْذِر بأزمةٍ كبيرة مع الرياض ودول الخليج الأخرى بعدما فجّر وزير خارجيته شربل وهبة ما بدا أنه «قلوب مليانة» انكشفتْ في حلقة تلفزيونية (عبر قناة «الحرة») خرج معها رئيس الديبلوماسية اللبنانية عن طوره مسدّداً إساءاتٍ غير مسبوقة للسعودية وبلدان الخليج رابطاً إياها أيضاً بـ «جلْب داعش» إلى العراق وسورية في معرض دفاعه عن سلاح «حزب الله» الذي اعتبره «بوليصة تأمين» بوجه إسرائيل.

وطغى «الصاروخ الديبلوماسي الطائش» لوهبة الذي أطلقه بعد مواجهةٍ كلامية في الحلقة مع الضيف السعودي رئيس لجنة العلاقات الأميركية- السعودية سلمان الأنصاري انسحب في أعقابها وزير الخارجية لبعض الوقت رداً على ما اعتبره «تطاولاً على الرئيس ميشال عون»، على تكرار «الرسائل الصاروخية» عبر الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة التي شهدتْ ليل الإثنين إطلاقَ 6 قذائف صاروخية من محيط عام راشيا الفخار شمال كفرشوبا (الجنوب) سقطتْ داخل الأراضي اللبنانية وردّت عليها إسرائيل بقصف استهدف محيط ‏الهبارية وكفر حمام، بالتزامن مع إطلاق القنابل المضيئة فوق ميس الجبل، وتفعيل صفارات ‏الإنذار في المستوطنات المحاذية للشريط الحدودي.

وإذا كان تَجَدُّد التوتر الحدودي، رغم نأي «حزب الله» بنفسه عنه، رَفَعَ المخاوف من مفاجآت غير محسوبةٍ على الجبهة اللبنانية في غمرة ملامح اتجاه المواجهات بين «حماس» وإسرائيل نحو جولات أكثر احتداماً على وقع عدم توافر تقاطعات دوليةٍ حتى الساعة تُفْضي لاتفاقٍ على وقف إطلاق النار، فإنّ «حبْس أنفاس» حقيقياً سادَ بيروت على خلفية توتير العلاقات مع السعودية ودول الخليج الأخرى عبر ما تعاطى معه البعض على أنه بالحدّ الأدنى افتقاد وزير الخارجية اللبناني «مفاتيح» الديبلوماسية ومهاراتها، فيما اعتبره البعض الآخر بالحدّ الأقصى انعكاساً لخيار سياسي يعبّر عنه الفريق الذي يمثله وهبة في الحكومة المستقيلة (فريق رئيس الجمهورية).

وغداة الاستياء الكبير الذي تولّد لدى السعودية بعد كلام وزير الخارجية والذي جرى تعميمه ليل الاثنين مقروناً بتلميح إلى أزمة ديبلوماسية قد تترتّب على ما حصل، عاشت بيروت ساعات من الانتظار الثقيل للخطوة التي ستتخذها الرياض رسمياً بعدما عكست «الهبّة الاعتراضية» على مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية كما الكويت ودول خليجية أخرى منسوب الغضب الكبير وأن «سقطة» وهبة «لن تمرّ مرور الكرام» وربما على الصعيد الخليجي عموماً، وسط سباقٍ ارتسم مع محاولاتٍ لبنانية رسمية لم تبْدُ على مستوى خطورة الحدَث، سواء عبر بيان المكتب الإعلامي للرئيس عون أو بيان «لم أقصد الإساءة» من وزير الخارجية.

وما عزّز هذا المناخ ما نُقل عن مصادر سعودية عبر وسائل إعلام لبنانية من ترقّب «موقف سعودي خلال الساعات القليلة المقبلة» وأن هناك 4 سيناريوات محتملة هي طرد السفير اللبناني لدى السعودية فوزي كبارة، أو استدعاؤه لتحميله رسالة استنكار شديدة اللهجة أو قطع العلاقات الديبلوماسية أو ترحيل الجالية اللبنانية في المملكة، قبل أن يشاع جو (بحسب قناة «ام تي في» اللبنانية) عن وجود توجّه لإعلان موقف خليجي موحّد وليس سعودياً فقط على خلفية ما قاله وهبة في الحلقة التلفزيونية وأن البيان الصادر عنه «لا يعدو كونه مبرّرات، فيما المطلوب منه اعتذار رسمي».

وترافق ذلك مع نْقل قناة «العربية» معلومات عن «تورط وزير الخارجية اللبناني المنتمي للتيار الوطني الحر المتحالف مع حزب الله في العمل مع شركاء دوليين مطلوبين على قائمة واشنطن للاتجار بالمخدرات»، لافتة إلى أن وهبة، الذي نفى هذه المعلومات واصفاً إياها بأنها «أخبار كاذبة لا تمت للحقيقة»، هو «عضو في مجلس إدارة في شركة MFAA Holdings Limited التابعة لنائب رئيس فنزويلا السوري الأصل طارق العيسمي المدرج اسمه على قائمة أكثر 10 هاربين مطلوبين لواشنطن بتهمة الاتجار الدولي بالمخدرات».

ورغم أن الخيارَ السعودي رسا على استدعاءِ كبّارة «للإعراب عن رفض المملكة واستنكارها للإساءات الصادرة من وزير الخارجية اللبناني، وتم تسليمه مذكرة احتجاج رسمية بهذا الخصوص» وسط إعراب الخارجية السعودية عن «تنديدها واستنكارها الشديدين لما تضمنتْه تلك التصريحات من إساءات مشينة تجاه المملكة وشعبها ودول مجلس التعاون الخليجية الشقيقة»، مؤكدة «أن تلك التصريحات تتنافى مع أبسط الأعراف الديبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين الشعبين الشقيقين»، فإن أوساطاً واسعة الاطلاع أبقت على ترقب كبير لتداعيات ما جرى سعودياً وخليجياً ولا سيما في ضوء ما كانت عبّرت عنه غالبية هذه الدول تباعاً من «نفاد صبرٍ» حيال خروج لبنان من الحضن العربي.

من ناحيته، أكد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف، في بيان، “على المواقف الثابتة والراسخة التي قامت بها دول مجلس التعاون الخليجي لدعم الشعب اللبناني الشقيق، تلك المواقف والتي يشهد التاريخ لها والتي تهدف إلى سلامة لبنان دعم استقراره وأمنه، وأن تلك التصريحات تتنافى مع أبسط الأعراف الديبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية بين دول المجلس ولبنان”.

وطالب البيان، وهبة بتقديم اعتذار رسمي لدول مجلس التعاون وشعوبها نظير ما بدر منه من إساءات “غير مقبولة على الإطلاق”.

وفي أبوظبي، أعربت وزارة الخارجية والتعاون الدولي عن “استنكارها واستهجانها الشديدين إزاء التصريحات المشينة والعنصرية” التي أدلى بها وهبة.

واستدعت الوزارة، السفير اللبناني وسلمته مذكرة احتجاج رسمية، مؤكدة أن هذه التصريحات “تتنافى مع الأعراف الديبلوماسية ولا تنسجم مع العلاقات التاريخية التي تجمع لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي”.

وكان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية اللبنانية أصدر بياناً، أورد فيه: «أثار بعض ما جاء في حديث وزير الخارجية شربل وهبة الى محطة «الحرة» ردود فعل هدفت الإساءة إلى العلاقات الأخوية القائمة بين لبنان ودول الخليج الشقيقة وبدا ذلك واضحاً من خلال ما صدر من مواقف سياسية إضافة الى الحملة الإعلامية المبرمجة التي رافقتها رغم التوضيح الذي صدر عن الوزير المعني بأنه لم يسم دول الخليج في معرض كلامه».

وأضاف «إن رئاسة الجمهورية إذ تؤكد عمق العلاقات الأخوية بين لبنان ودول الخليج الشقيقة وفي مقدمها المملكة العربية السعودية الشقيقة وعلى حرصها على استمرار هذه العلاقات وتعزيزها في المجالات كافة، تعتبر أن ما صدر عن وزير الخارجية يعبّر عن رأيه الشخصي، ولا يعكس في أي حال موقف الدولة اللبنانية ورئيسها العماد ميشال عون الحريص على رفض ما يسيء الى الدول الشقيقة والصديقة عموماً، والمملكة العربية السعودية ودول الخليج خصوصاً».

بدوره وتحت وطأة تفاعلات هذه القضية، والمطالبات الداخلية بعزْله عن تصريف الأعمال وتكليف بديلٍ من الحكومة المستقيلة القيام بمهماته وصولاً إلى تقديم أحد المحامين إخباراً بحقه الى النيابة العامة التمييزية «بجرم إثارة النعرات الطائفية والقدح والذم والإساءة الى دولة شقيقة»، أصدر وهبة بياناً أكد فيه «مرة جديدة أن بعض العبارات غير المناسبة التي صدرت عني في معرض الانفعال رفضاً للإساءات غير المقبولة الموجهة إلى فخامة رئيس الجمهورية، هي من النوع الذي لا أتردّد في الاعتذار عنه، كما أن القصد لم يكن لا أمس ولا قبله ولا بعده، الإساءة إلى أي من الدول أو الشعوب العربية الشقيقة التي لم تتوقف جهودي لتحسين وتطوير العلاقات معها، لِما فيه الخير والمصلحة المشتركين، ودائماً على قاعدة الاحترام المتبادل. وجلّ مَن لا يخطئ في هذه الغابة من الأغصان المتشابكة».

وفي موازاة ذلك، قوبلت إساءات وهبة بمواقف مندّدة أبرزها من الرئيس المكلف سعد الحريري الذي اعتبر «أن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال أضاف مأثرة جديدة الى مآثر العهد في تخريب العلاقات اللبنانية العربية، كما لو أن الأزمات التي تغرق فيها البلاد والمقاطعة التي تعانيها، لا تكفي للدلالة على السياسات العشوائية المعتمدة تجاه الأشقاء العرب»، لافتاً إلى «أن الكلام الذي أطلقه لا يمت للعمل الديبلوماسي، ويشكل جولة من جولات العبث والتهور بالسياسات الخارجية التي اعتمدها وزراء العهد. وإذا كان هذا الكلام يمثل محوراً معيناً في السلطة اعتاد على تقديم شهادات حسن سلوك لجهات داخلية وخارجية، فإنه بالتأكيد لا يعني غالبية اللبنانيين الذين يتطلعون لتصحيح العلاقات مع الأشقاء في الخليج العربي ويرفضون الإفراط المشين في الإساءة لقواعد الأخوة والمصالح المشتركة».

وإذ استنكر الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة «الكلام والموقف المعيب الذي صدر عن وزير الخارجية»، معتبراً «أن العبارات التي تفوه بها الوزير «الصدفة» تعكس مقدار الخفة لديه وعدم إلمامِه بالفقه الديبلوماسي، ومدى تفشي وباء العنصرية الفكرية وداء جنون العظمة والاستعلاء والتكبر الأجوف الذي يتميّز به، ومَن هو على شاكلته من بعض رجال هذا العهد»، أكد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان أن ما قاله وهبة «مدان ومرفوض ومردوده على قائله، والتراجع عنه فضيلة، ومَن يتعرض للمملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج العربي فإنه يتعرض بادئ ذي بدء للبنان، وهذا لا يبني علاقات داخلية ولا حتى خارجية، وليس هذا مبدأ السياسيين الذين بنوا قواعد الأخوة بين لبنان وأشقائه العرب على مدى سنوات حكمهم».