كتب وليد شقير في نداء الوطن:
ليس معروفاً عن شربل وهبة، كدبلوماسي خدم في وزارة الخارجية قبل أن يتقاعد مستشاراً في القصر الرئاسي، ثم يتسلم مهماتها في غفلة من الزمن كمرافق سلطان البلاط العوني والباسيلي المهشم، أنه كان يتمتع بالحذاقة والكياسة الدبلوماسية.
أقرّ أنه من محترفي قصر سرسق، ورموز الجاليات اللبنانية في بلاد الاغتراب حيث خدم، كانوا يعتبرونه أقل من عادي (باللغة الدبلوماسية) وبعضهم لم يعِر اهتماماً له لقلة درايته. تكفي العودة إلى ما صدر عن بعض الجالية في فنزويلا حيث كانت آخر مهمة له كسفير، تعليقاً على تعيينه وزيراً فور استقالة ناصيف حتي قبل يوم واحد من انفجار مرفأ بيروت الكارثي. فالأخير قفز من المركب بعد أن تعايش أشهراً مع تدخلات الفريق الرئاسي في وزارته، وصولاً إلى شل حركته، حتى اكتشف أن من العبث المراهنة على تحسين علاقات لبنان العربية والدولية مع النهج المتبع من قبل العهد، فغادر أوهاماً بناها توقه للمنصب.
وقد خدمت الظروف حتي لأنه غادر قبل ساعات من الانفجار الذي أسقط 209 ضحايا وآلاف الجرحى ودمر نصف العاصمة، فلم يكن بين الذين تولوا التهور المريع في إدارة مرحلة ما بعد الكارثة. إلا أنها كانت في المقابل ملائمة لوهبة وعلى قياسه وقياس النائب جبران باسيل، على رغم أنها لم تكن على قياس حجم المأساة وتقاليد وزارة الخارجية اللبنانية، وزارة ألفريد نقاش، حميد فرنجية، شارل مالك، فيليب وسليم تقلا، صائب سلام وكميل شمعون وسليم لحود ورشيد كرامي وحسين العويني وسليم الحص…وفؤاد نفاع وخليل أبو حمد ونصري المعلوف وفؤاد بطرس وجان عبيد وطارق متري… فصور الأسلاف بكت من آثار الانفجار المدمر على القصر المهيب، وقبله وبعده من ضحالة بعض من دخلوا إليه لتسلم المهمة.
البعض يرى أن مجيء وهبة لم يكن على قياس أزمة البلد، لكنه كان ملائماً للمرحلة التي بلغها الحكم، حكماً. فـ”بروفيل” الرجل كان “حفر وتنزيل” بالتناغم مع إدارة تنحدر بالبلد إلى قعر جديد كل يوم. ومع الدرك الذي نزل إليه باسيل بالوزارة، في مخاطبة الدول الكبرى التي أراد تدريسها كيف تدار من دون موازنة، فإن بعض زملاء الصهر من العرب حاول “تعليمه” لأنه نسيب رئيس الجمهورية، الأصول الدبلوماسية في التعامل مع بعض القرارات التي تصدر عن المؤتمرات، وأنقذوه من بعض الورطات التي كان يأخذ لبنان إليها بالجملة، بفعل فهمه القروي للسياسة الخارجية، لكنهم لم ينجحوا في الكثير من الأحيان. وهبة لم يشذ عن القاعدة إلا إمعاناً بالهبوط.
كرس وهبة في الأشهر الأخيرة شبكة الوزارة واتصالاته من أجل حملة لرفع العقوبات الأميركية عن باسيل، وللحؤول دون عقوبات أوروبية عليه، بحجة أنها موجهة ضد المسيحيين، وأتاح لموالين للصهر إمكانات لهذا الغرض.
يخاله المرء في تلك المقابلة التلفزيونية ليل الإثنين كأنه يتسامر مع شباب الضيعة وهم يتقاذفون الآراء والتحليلات التي يسمعونها في المقهى أو الشارع. حتى حين يردد ما يسمعه من محيط الفريق الرئاسي منذ سنوات عن خبرية “داعش” والدول الخليجية، المنقولة عن أدبيات “حزب الله” وخطب أمينه العام. هل غفل عن أن الأخير رحب بالحوار العربي مع إيران بعد اجتماعات بغداد، أو أن التعليمات لم تأته قصداً؟ باختصار، تطويع السياسة الخارجية لمقتضيات التحالف مع طهران تطلب هذا النمط من الحكم والوزراء.
يعتقد دبلوماسيون محترفون أن اعتذار لبنان من السعودية عن الغلطة الفظيعة، يجب ألا تقل عن كف يد الوزير حتى من الحكومة المستقيلة.