كتبت جويل رياشي في “الانباء الكويتية”:
على عكس ما قد يظن البعض، لم تندثر مهنة توزيع الصحف الورقية في لبنان، لكنها لا تختلف عن حال البلد، إذ تواجه صعوبات ومعوقات باتت من اليوميات التي يصارع الناس لمواجهتها في جميع المجالات، ولا يخفى على احد ان «أزمة الورق» سبقت الأزمات الحالية بسنوات عدة، لكن المسيرة مستمرة وان حصلت تبدلات.
لكل حقبة زمنية تقاليدها، إلا ان قراءة الصحف الورقية لم تغب تماما عن الذين اعتادوا عليها مرفقة بفنجان القهوة الصباحي. والحديث هنا عن فئات عمرية لجهة المتقدمين في السن المواظبين على القيام بذلك منذ أعوام طويلة. وفي حين يظل الإقبال مقبولا على الاشتراكات في الصحف اليومية، بتأمين خدمة إيصالها صباحا إلى المنازل، إلا ان الأرقام غير مشجعة خارج العاصمة ومحيطها لأسباب تتعلق بشركات التوزيع.
ولابد من الإشارة هنا إلى غياب صحف عدة عن أكشاك التوزيع ومنصات المكتبات، وكذلك غياب مطبوعات أسبوعية وشهرية، فضلا عن انحسار الطلب على المجلات الأجنبية بسبب ارتفاع أسعارها المرتبطة بالعملات الأجنبية، وما حققته الأخيرة من ارتفاع في ضوء تراجع قيمة العملة الوطنية اللبنانية وانهيارها.
إعلامي مكافح ينتصر للورق
أمام كل ما طرأ، يخالف الاعلامي الرياضي شربل ضرغام ما يروج عن «أفول عصر الورق»، فيتناول تجربته الحديثة في بيع الصحف وتوزيعها في ساحل قضاء البترون في شمال لبنان من مدينة البترون وصولا إلى مشارف مدينة أنفه، اذ يوزع مطبوعات تعود لشركة «الأوائل» في بلدات البترون وكبا وسلعاتا وحامات والهري وشكا وأنفه. 14 نقطة بيع تتوزع بين مكتبات ونقاط توزيع الصحف ومشتركين انتهاء ببيع الصحف في نقطة كان يتمركز فيها الراحل اسطفان مبارك في مدينة البترون الذي ورث عنه ضرغام «مهنته الجديدة».
يعرض الاعلامي المخضرم لتجربته فيقول «وجدت نفسي أزاول عملا جديدا، انا الذي اعتدت النهوض باكرا للحصول على الصحف وقراءة غالبيتها في المكتبات لعدم قدرتي على شرائها كلها. أبيع يوميا بين 23 إلى 30 صحيفة في نقطة البيع من سيارتي في البترون بعد إزالة الكشك الخاص بالراحل مبارك الذي اعتاد الناس على شراء الصحف منه. طالبتني شركة التوزيع القيام بمهمته وشجعني الناس، وغالبيتهم من القراء المتقدمين في السن، يواظبون على شراء المطبوعات الورقية».
يغادر ضرغام منزله يوميا في الرابعة والنصف فجرا، يتسلم المطبوعات من الشركة عند جسر المدفون (الفاصل بين محافظتي جبل لبنان والشمال)، ويباشر في التوزيع تمهيدا للعودة والتمركز في ساحة البترون قرابة السابعة والنصف صباحا، وتنتهي المهمة نحو الساعة الحادية عشرة والنصف قبل الظهر.
مكتبة الصياح لن تستسلم
من جهته، يتحدث خليل الصياح الذي يدير مكتبة الصياح العريقة في جبيل، التي أسسها جده الراحل خليل قبل أكثر من 70 سنة، عن تجربة مختلفة: «تراجع البيع كثيرا وخصوصا في المطبوعات الأجنبية التي بتنا نؤمنها بناء على طلبات مسبقة. كما ألغيت امتيازات توزيع الصحف في الأقضية التي كانت سائدة، اذ كنا مثلا نملك حقوق توزيع الصحف في جميع مدن وقضاء جبيل، وباتت العملية تتم مباشرة من قبل شركات التوزيع وهي ثلاثة: الشركة اللبنانية لتوزيع الصحف والمطبوعات، شركة الشرق الأوسط، وشركة الأوائل».
ويعطي الصياح أرقاما صادمة لبيع الصحف حاليا، فلا يتخطى البيع 10 اعداد من الصحف من قرابة 50 تعرض يوميا في منصات المكتبة.
الا ان الشاب لن يستسلم، اذ يحضر مشروعا لتنشيط المكتبة العريقة يقوم على تجديد ديكورها بطابع تراثي لبناني، وتقديم خدمة تناول القهوة إلى جانب القراءة والمطالعة، لمكتبة عرفت عزا في توزيع الصحف خصوصا في فترة الحرب الأهلية، اذ كانت المكتبة أحيانا تضطر إلى تقنين حصص نقاط البيع نظرا إلى الإقبال اليومي الكثيف عليها من قبل القراء، خصوصا حين كانت الصحف تنشر تصريحات لعميد الكتلة الوطنية ريمون اده (1912 – 2000) من منفاه (الطوعي) الباريسي، علما ان الرجل كان يحظى بشعبية واسعة خصوصا في قضاء جبيل التي كان نائبا عنها لسنوات طويلة.
بائع الكشة انتقل إلى «الدليڤري»
اما سالم فقد اعتاد بيع الصحف عند مستديرة معمل «المازا» في الجديدة. وشارك «الأنباء» تجربته ورفاقه من بائعي «الكشة» الجوالين الذين يتمركزون في ساعات الصباح الأولى عند تقاطعات حيوية، حيث تنتشر إشارات السير الضوئية: «نبيع الصحف لزبائن حفظنا وجوههم، وقلة هم زبائن الصدفة. ونبيع أيضا أوراق اليانصيب واللوتو، قبل الانتقال إلى تأمين خدمة أخرى كخدمة التوصيل «الدليڤري» لنتمكن من تحصيل قوتنا».
شركات التوزيع التي تؤمن خدمة توصيل الصحف والمطبوعات إلى المنازل تتحدث عن «أرقام مقبولة في أيامنا هذه»، وفقا لأحد العاملين في شركة «سبيد» في ساحل المتن الشمالي.
الاكيد ان للصحف الورقية جمهورها ولو انه يتجه إلى التناقص. والمفارقة ان الجمهور (من الفئات العمرية المتقدمة) لم ينقص وحده، بل هي الصحف ايضا التي توقفت عن الصدور وبينها «السفير» و«الأنوار» و«الحياة» و«الدايلي ستار» و«الاتحاد» (تجربة قصيرة في خريف 2017). وحدها السنوات القليلة المقبلة كفيلة بكشف مصير مهن عدة متعلقة بالصحافة الورقية.