كتب رمال جوني في نداء الوطن:
في زمن يتساوى فيه سعر السندويش بأجر عامل يوميّ في لبنان أي 30 ألف ليرة، يصبح الاضراب مشروعاً. ففي الوقت الذي تشهد فيه الاسعار والسلع والمحروقات ارتفاعاً مخيفاً، بقيت رواتب العمال والموظفين على حالها، وفق سعر صرف يعادل 1500 ليرة، ربما هذا أجاز للموظفين اعلان إضرابهم التحذيري ليومين. إضراب جاء نتيجة تآكل معاشاتهم التي باتت لا تتجاوز الـ100 دولار بعد أن كانت ما يقارب الـ1000 دولار.
بالطبع لم يشمل الاضراب المياومين في هذا القطاع، فهذه الطبقة “المعدومة” محرومة من كل الحقوق، حتى أيام العطل الرسمية ” تحسم” من المعاش الذي لا يصل الى 50 دولاراً. من وجهة نظر الموظفين فإن مطالبهم محقة، فهم طالبوا بخفض دوامات العمل اليومية واعتماد نظام المداورة اضافة الى إلحاقهم بنظام البطاقة التموينية، يعلّل هؤلاء مطالبهم بأن الأسعار ارتفعت ومعاشاتهم انخفضت، وفيما لم يلتزم عدد منهم بالاضراب، أكد آخرون أن مطالبهم محقة سيما في هذا التوقيت الاقتصادي الصعب، فهم يجدون صعوبة في ايجاد البنزين في ظل انقطاعه بشكل كبير من منطقة النبطية، الأكثر تأثراً بالازمة، فمحطاتها مقفلة على الدوام، بالكاد تجد محطتين قيد العمل أو 5 على أبعد تقدير، والباقية مقفلة، وهذا يعتبره الموظف حجة رئيسية لاعتماد نظام المداورة.
أما المياوم لا أحد يلحظ معاناته، فهذا الاخير يتقاضى 30 ألف ليرة في اليوم، وهو مبلغ لا يشتري سندويش دجاج الذي لامس سعره في منطقة النبطية الـ30 ألفاً. ولم يلحظ الاضراب ايضاً صعوبة تنقل المياوم، فهو ايضاً لا يجد مادة البنزين لملء خزان سيارته، ولا يجد سيارة اجرة بسهولة، فهناك سائقون فضلوا التوقف عن العمل، مخافة تعطل أي قطعة في سيارتهم، ويبررون قرارهم بأن ما يجنونه لا يشتري برغياً. وحدها كلمة “إضراب” سيطرت على يوم الاضراب الاول لموظفي القطاع العام، اضراب لن يحقق جدواه، في ظل ما يحيط بالواقع العام.
وفق أحد المياومين “نحن اكثر الناس تأثراً وتضرراً، حتى العيدية المفترض حصولنا عليها منعت عنا، بحجة الأزمة الاقتصادية وشح المال، لا نقابة تدافع عنا ولا قانون يحفظ حقنا وتعبنا، والحمل يقع علينا، فيما الموظفون الذين يمضون معظم نهارهم في اللعب على الهاتف وشرب القهوة، يسجلون اعتراضهم ويحظون بنقابة تدافع عن حقهم، فأين العدالة!!!”. مما لا شك فيه أن الكل تضرر من المفعول الرجعي للازمة الإقتصادية، فكل شيء شهد ارتفاعاً، وتضخماً، فيما الموظف الذي يتقاضى “باللبناني أكل الضرب”.. تقول موظفة في احدى الادارات إن اضرابهم لا يعدو كونه تسجيل موقف، “فالمعاش بالكاد يكفي 5 أيام في الشهر، فعلاً نعاني، البذخ والترف الذي كنا نعيشه ولّى الى غير رجعة، نواجه أزمة حقيقية، بات صعباً علينا شراء أبسط السلع، فالغلاء أوجعنا وكسر ظهرنا”. لم تترك الازمة الاقتصادية التي تعصف بالوطن “أحداً من شرها”، طالت الجميع ما عدا من يتقاضون أجورهم بالدولار، وغير ذلك الكل يتنفس بصعوبة، ماذا تفعل الـ100 دولار هذه الايام.
في عملية حسابية بسيطة يتبين ان المئة دولار تشتري 3 كيلو دجاج بـ100 ألف، كيلو لحم بـ120 ألفاً، غالون زيت بـ120 ألفاً، “تفويلة” سيارة بـ120 ألفاً، بعض السلع الغذائية بـ500 ألف. وماذا عن الطبابة وغيرها، يسأل مروان الذي يرى ان الاضراب يفترض ان يطال كل القطاعات، فالوضع يحتاج الى انتفاضة، وعلى الناس ان تتحرك، وهو لا يستبعد أن يشهد الشارع تحركات غاضبة في الايام القادمة، سيما بعد بدء رفع الدعم وشح السيولة بين أيدي الناس، غير أنه يخشى من ان تلعب “كرتونة الاعاشة” دورها في قلب الطاولة فوق رؤوس الفاسدين. يقول مروان: “إننا مقبلون على عتمة وبالتالي قد تصل فاتورة الاشتراك الى 700 ألف ليرة وربما أكثر، أي بما يمثل الحد الادنى للأجور، فهذا العامل كيف سيعيش، ومن ينظر بوضعه، إذا كنت أتقاضى مليوناً و200 ألف وأشعر بالخوف، كيف سيكون حاله هو؟ وأين الاتحاد العمالي العام من حال العمال؟”. ويختم بالقول: “إنتهى زمن البذخ، الكل “شحط فريم”، فالأوضاع المعيشية تتراجع، فيما الاسعار ترتفع، لم يعد أحد يملك خيار المواجهة، يضرب اخماساً بأسداس لمصروفه، فكل شيء غالي الثمن، الا العامل أجره رخيص”.