… هو «زنارُ أزمات»، في الديبلوماسية، والسياسة، والأمن يلفّ لبنان الذي يترنّح أصلاً فوق جَرْفٍ مالي – اقتصادي يقود إلى الانهيار المريع.
وفيما كانت عيون بيروت شاخصة على مساعي خفْض «التوتر العالي» الذي ساد العلاقات مع دول الخليج العربي بعد تصريحات وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة الذي تنحّى في ما بدا محاولة من لبنان لـ «الانحناء» أمام العاصفة الديبلوماسية المفاجئة، كانت جبهة الجنوب تشهد ثالث تحريكٍ لها منذ بدء المواجهات بين «حماس» وإسرائيل مع إطلاق 4 صواريخ من الأراضي اللبنانية في اتجاه الأراضي الإسرائيلية قابلتْها تل أبيب هذه المرة بعقد جلسة أمنية طارئة برئاسة بنيامين نتنياهو بعد الردّ المدفعي «الموْضعي»، وذلك على وقع استمرار المأزق الحكومي الذي يشي بأنه على مشارف جولة أكثر حدّة من «عض الأصابع».
وخطفتْ الحدودُ اللبنانية – الإسرائيلية الأضواء ابتداءً من عصر أمس، مع إعلان إطلاق أربعة صواريخ أفاد مصدر أمني لبناني بأنّ مصدرها كان نقطةً في محيط قرية صديقين في منطقة صور، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي أنّ 4 قذائف صاروخية أطلقت من لبنان نحو عكا وحيفا يشتبه أنّ غالبيتها سقط داخل الأراضي اللبنانية، قبل التداول بأن أحدها سقط في حيفا.
وبعدما أفاد الناطق الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، عبر «تويتر»، عن «إطلاق 4 صواريخ من داخل لبنان باتجاه إسرائيل، حيث اعترضت الدفاعات الجوية صاروخاً واحداً، بينما سقط صاروخ آخر في منطقة مفتوحة، واثنان في البحر»، أشار الى أن «المدفعية تردّ على أهداف داخل الأراضي اللبنانية».
وإذ ذكرت وسائل إعلام لبنانية أن القصف الإسرائيلي استهدفَ نقاطاً بين بلدتيْ شمع والناقورة، تحدثتْ تقارير عن انطلاق صفارات الإنذار في شمال إسرائيل وفي الجليل الأسفل شرق حيفا وفتْح الملاجئ في حيفا وعكا ومدن أخرى، في ظلّ تأكيد مصدر في قوة «اليونيفيل»أن اتصالات مكثفة تجري مع الجانبين لمعرفة تفاصيل إطلاق الصواريخ من لبنان والدعوة إلى التهدئة وممارسة أقصى درجات ضبْط النفس في هذا الوقت الحرِج.
وفي حين بدأ توتير الجبهة الجنوبية، ولو أنه ما زال يُربط برسائل فلسطينية «متفلّتة»، يثير قلقاً متعاظماً من مخاطر ترْك «صندوق البريد» مفتوحاً ولا سيما بعد ما عكسه الاجتماع الأمني السريع برئاسة نتنياهو لمتابعة الوضع بعد القصف من لبنان من أن تل أبيب قد توسّع «خياراتها» بالردّ، لم تَبْدُ مجمل هذه المخاطر كافية لتبديد الغيوم القاتمة التي تتزايد في أفق الأزمة الحكومية التي تُنْذِر بالمزيد من العصْف في ضوء الرسالة التي وجّهها الثلاثاء، الرئيس ميشال عون إلى مجلس النواب طالباً منه ضمناً إعادة النظر في تكليف الرئيس سعد الحريري «الذي أصبح من الثابت أنه عاجز عن تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ، ولا يزال يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبده متجاهلاً كل مهلة معقولة للتأليف».
ورغم ما نُقل عن مصادر قريبة من عون من أنه يأمل في «أن تفتح الرسالة باباً يؤدي الى إحياء الاتصالات في شأن تأليف الحكومة وأنها لا تتناقض ومضمون الأجواء التي سادت عن عدم سعي عون الى إبعاد الحريري أو دفعه الى الاعتذار»، فإن ردّ الفعل الأولي من الرئيس المكلف كما «الموقف المهمّ» الذي أشيع أنه سيصدر عنه بعيد عودته الى بيروت، إلى جانب الموقف العالي النبرة من رؤساء الحكومة السابقين، يعكس أن الأزمة الحكومية تتجه الى «حلبة مصارعة» يتداخل فيها السياسي بالدستوري والطائفي، وسط انطباعاتٍ بأن التدافع الخشن بين عون والحريري بات يجري على حافة اتفاق الطائف ونظامه.