كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن”:
غسلت شريحة مؤسِّسة للتيار الوطني الحرّ يدها من السياسة الشخصانية لرئيسه النائب جبران باسيل المقرّر والمتدخل في الشاردة الواردة عبر شبكته الخاصة جداً التي تبدأ من مكتبه وتمتد إلى مجموعة اعلاميين ومحامين وقضاة وموظفين إداريين رسميين وصولاً الى رجال أعمال ومناصرين. هذه الشريحة الواسعة من “النخبة” المعارضة لباسيل تتشكل من اكاديميين وعسكريين ورجال فكر وناشطين من الصف الأول شعرت كأنها تنادي في الطاحون، وهي مقسّمة الى مجموعات من دون أن تشكل قوة ضاغطة موحدة، منها ما ظهر قبل ثورة 17 تشرين تحت عناوين انتخابية ومنها ما تبلور خلال الثورة. ولكنها تلتقي على توصيف الإنهيار الذي وصل إليه التيار وتحمّل باسيل المسؤولية.
المناداة في الطاحون نفّرت المسؤول الدبلوماسي السابق ميشال دي شاداريفيان، وهو الاسم الذي استقال أخيراً من الحزب بسبب “قلة الدراية في التعامل مع الوضع الاستثنائي الكارثي اللبناني المؤلم دبلوماسياً واقتصادياً الذي حول لبنان الى شبيه بوركينا فاسو” محيّداً “رئيس الجمهورية الذي من المفترض ان يكون رئيساً فوق كل الاحزاب” على حد توصيفه لـ “نداء الوطن” ومن المفترض ان يجد الحل لينشل البلد من ورطته. الا انه يقرّ بانه لم يكن يتخيل ان يصل هذا الوطن الى ما وصل اليه في عهد عون. لم يجد دي شاداريفيان في يده أي حجة للدفاع عن سياسة التيار امام أي دبلوماسي. إنضم بعد إنفصاله الى “الخط التاريخي” ملتزماً بمبادئه الخاصة التي تتناسب مع ضميره الوطني ويشترك مع المناضلين في الخط التاريخي الذين لم يربحوا طيلة مسيرتهم السياسية فلساً واحداً من خلال نشاطهم على حد تعبيره وينسقون مع مجموعات أخرى.
تشرح المحامية فرانسواز كامل، أنها استقالت من الحزب منذ 4 سنوات ونصف عندما تم وضع زيادة نسبة 1% ضريبة على القيمة المضافة. واعتراضها كان ان الرئيس عون ثار على فؤاد السنيورة بسبب هذا الطرح وحفّز مناصريه على ذلك. اما اليوم فيسير عكس مبادئه، خروجها يتزامن مع تاريخ نشوء “الخط التاريخي” الذي تفضل ان تسميه “قدامى التيار” لانه اتى نتيجة ثورة على تعيين جبران باسيل في رئاسة الحزب ومشهد انكسار النائب الان عون الذي كان يريد أن يترشح للمنافسة ولكن تزكية الجنرال عون لباسيل أخرجته من المنافسة الديموقراطية وفرضت ما يشبه التعيين، ولم يكن هذا التحول وليد ثورة 17 تشرين الا انها انضمت لهذا الخط وأصبحت ناشطة ضمن الدائرة القانونية لـ”الشعب يريد اصلاح النظام” وهي العنصر النسائي الوحيد، ولمجموعة “انا لبنان”.
اذاً لا مانع من الانضمام الى مجموعات متعددة خارج هذا الخط التاريخي الذي وفق الناشط في الخط نعيم عون لا يوجد هيكل تنظيمي له لان التوقيت غير مناسب بسبب الوضع العام في لبنان الذي لا يحتمل أحزاباً بسبب رفض المواطنين الطبقة السياسية والكلام في السياسة لطغيان الاجندة المعيشية على أي شأن اخر.
التواصل والتنسيق بين المجموعات لم يرتقيا بعد الى مستوى الائتلاف بينهم وفق العميد المتقاعد أنطوان عبد النور، المنضم أيضا الى قدامى التيار، مؤكداً ان هناك تواصلا وفقاً لعلاقات شخصية مع نعمة افرام وميشال معوض وعلاقة ودية مع النائب شامل روكز الذي يعتبر التيار الوطني الحر انه وصل الى النيابة لان ماكينته الانتخابية “أكلت” من رصيد التيار ولولا التيار لما كان وصل الى كتلة لبنان القوي الذي خرج منها خلال الثورة. هذا الحزب الحاقد على شامل روكز وصلت الحال بقيادته لفصل وجوه نخبوية منه على الرغم من وفائها المعروف لافكار ميشال عون شخصياً كالمحامي فؤاد العضم بحكم نشاطه مع مكتب النائب روكز الذي وفق مقربين منه يبتعد فكرياً عن جبران باسيل بما خص المسائل المتعلقة بالمحاصصة الطائفية السياسية. وعلى الرغم من كل تعقيدات العلاقة بين تيار باسيل وقدامى التيار يؤكد نعيم عون إنهم ليسوا في معركة شخصية مع جبران باسيل وليسوا ضد التيار بل ضد الوضع القائم والعناصر المكوّنة له وطريقة إدارة هذه الدولة.
هذه التجربة لـ”الخط التاريخي” الذي لم يخض الانتخابات كتنظيم موحد، مطعمة بمجموعات ليست وحدها بل هناك خبرات سياسية لخارجين من التيار الوطني الحر الذين وضعوا هذه التجربة الحزبية خلفهم كلياً كالقيادي في حزب سبعة الدكتور طوني مخيبر، خبير البيانات، الذي يعمل بصمت إضافة الى نشاطه الاكاديمي. الا ان محيط حزب سبعة بحسب أجواء قريبة منه لا تقدر قدراته السياسية وهناك ملاحظات على أدائه لا بل ان البعض يعتبره بعيداً عن جيل الشباب مصنفاً إياه بالمنتمي الى مدرسة سياسية قديمة.
يختلف الوضع بالنسبة الى زياد عبس ومجموعته “لبنان عن جديد” التي هي في ائتلاف مع تحالف وطني. فقد وضع الأخير كل تاريخه السياسي العملي ميدانياً في خدمة مشروعه ورؤيته التي لم تعد لها أي علاقة بالتيار الوطني الحر لا من قريب ولا من بعيد. حتى أنه شكّل ماكينته الانتخابية الخاصة به وساعده جورج طاشجيان الذي فصل من التيار، كما المستقيل جاد دانيال الذي خرج من الواقع السياسي اللبناني كلياً لان، على حد توصيفه، ميشال عون كذاب ويؤثر في الناس متحكماً في عواطفهم وهو الذي وعد ونكث بوعده واتى بجبران باسيل ليلبس كل أخطائه من التسوية الى نتائجها. ينسّق زياد عبس ومجموعته مع النائب السابق نعمة افرام عبر “تحالف وطني” القريب من افرام بحكم علاقة الزمالة في “الاستقالة” مع بولا يعقوبيان التي ترشحت عن هذا التحالف.
كل هذه المجموعات تعيد النظر بالعلاقة مع “حزب الله” حتى الثورة عليه علنياً، باعتباره مسيطراً على البلد كله بعكس القيادي السابق في التيار الحر الذي كان يتولى مسؤولية التنسيق مع “تجمع الأحزاب الوطنية” والتثقيف السياسي بسام الهاشم الذي خاض الانتخابات في جبيل ضمن لائحة قريبة من “حزب الله” ومثل “الخط التاريخي” في المجموعة التي شكلت هيئة تنسيق الثورة وهي اول هيئة أنشئت في الثورة في 22 تشرين. هاشم في صدد اطلاق مجموعته ببطء محافظاً على العلاقة مع الحزب مؤكدًا انه ليس على عداء معهم ويفضل ان ينتقدهم بالمباشر بحكم الصداقة لا بل اكثر من ذلك يعتبر ان الثورة هي معيشية وان المرض الذي ضرب هيئة تنسيق الثورة هي “إختراقات لها” على حد تعبيره من أجندات مشبوهة تناهض “حزب الله” ومسارات صراعية وهذا ليس جوهر الثورة المعيشية ويجب التحييد عن الحزب والتركيز على استعادة الأموال المنهوبة. الهاشم المنفتح على العلاقة مع الخط التاريخي لديه تحفظات على كيفية ادارتهم للعلاقة مع الحزب ويصفها بانها اختلافات “تكتيكية” على الرغم من التقائهم في فترة من الفترات تحت مظلة “مبادئ” التيار الذي خطفه باسيل بعدما كتب الشرعة المناقبية ووضع ميثاق التيار وصادق عليه على حد وصفه مصنفاً نفسه بانه ملتزم بهذه الاخلاقيات اما جبران باسيل فيستعملها عدة للعمل السياسي في البازار السياسي وتفجير الخلافات. على الرغم من اعتراضه على ان الخط التاريخي ما زال يعتبر التيار مرجعية لا مانع لديه في الانفتاح مع الحفاظ على علاقاته بـ”حزب الله”.