أبعد من مشهد الزحف السوري الى اليرزة لمبايعة الرئيس بشار الاسد والمواجهات الميدانية بين موالي نظامه وبعض الشباب اللبناني بفعل ممارسات مستفزة في مناطق لها تاريخها في المقاومة ضد هذا النظام، وأبعد ايضا من السجالات اللبنانية السياسية العقيمة بين مؤيد ومعارض وتقاذف كرة اتهامات ملف اللجوء السوري وجدوى استمرار وجود هؤلاء في في لبنان، او على الاقل من يدورون في فلك الاسد وخارج مدار الثورة السورية، ان الهدف من مسرحية اعادة انتخاب الاسد ليس العملية التقنية في حد ذاتها بقدر ما هي رسالة تحدِ للبنانيين، او على الاقل للفريق السيادي الذي “اخرج” الجيش السوري عام 2005 ،بمعزل عن الوسيلة، ولكل من يهمه الامر، تأكيدا على استمرار وجود النفوذ السوري على الساحة اللبنانية وامتلاك هذه الورقة بمعزل عن هيمنة ايران وتحكمها بالقرار اللبناني.
تقول مصادر سياسية مراقبة لهذا المشهد لـ”المركزية” ان الاستحقاق الانتخابي السوري لو كان حقيقة مسارا تقنيا بحتاً، لجرى بسلاسة على غرار ما حصل في سائر دول العالم، حيث انتخب السوريون، من دون اشكالات او عراضات استفزازية، وما يحصل في لبنان مع اي جالية تنتخب في سفارة بلادها، اذ بالكاد يتنبه اللبنانيون للأمر. غير ان نظام الاسد واتباعه في لبنان ممن استفادوا من وجوده ، على اكثر من مستوى، أبوا، وطبعا بإيعاز من مخرج المسرحية هذه، الا ان يوتروا الاجواء ويحركوا العصبيات الدفينة لدى بعض اللبنانيين الذين لم تندمل جروحهم بعد جراء ممارسات النظام السوري القاتل و”متفجرات سماحة” في قضية تفجير مسجدي التقوى والسلام ما زالت ماثلة امام اعينهم، فكانت مواجهات في الشوارع واستفاقة لسياسيي “الزمن السوري الرديء في لبنان”، كل ذلك من اجل محاولة تعويم رئيس مهزوم شعبيا وسياسيا ودوليا تتحكم ببلاده جغرافياً أذرع ايران العسكرية وتديرها سياسيا قاعدة حميميم الروسية ويُستخدم شعبها، ومن ضمنه حكما من يدلون بأصواتهم لمصلحته، وقودا في التسويات الدولية.
وفي طيات العراضة السورية وادواتها النافرة امس، تضيف المصادر، رسالة الى الحزب الحليف في محور الممانعة الذي غاب عن المشهد حتى ساعات الليل، متفرجاً عن بعد عما يحاول فعله الاسد في ” محمية” ايران اللبنانية، هو الذي، لولا تدخله وسائر اذرع طهران في دمشق لكان اليوم في “خبر كان” ومصيره كمصير سائر زعماء الدول العربية الذين اطاحتهم ثورات شعوبهم ولا داعي للتذكير بالطريقة والنهاية. رسالة اقل ما يقال فيها ان ايران لا تعيرها الاهتمام حتى، ما دامت تملك في لبنان الكلمة والقرار، الا ان من يتوجب ان يتنبه اليها جيدا هو لبنان الرسمي، إن بقي في يده اشلاء قرار، فيتحرك سريعا في اتجاه حل قضية وجود السوريين النازحين على اراضيه بعيدا من حفلة التساجل التي لا طائل منها، لئلا يتحولوا بعد فوات الآوان الى لاجئين دائمين كما نظرائهم الفلسطينيين، بفارق ان هؤلاء لا ارض يعودون اليها بعد، في حين ان ابواب دمشق مشّرعة، على الاقل لمن انتخبوا بشار الاسد امس وعودتهم آمنة بكل المقاييس.