كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
الأربع والعشرون ساعة التي أرادها نبيه بري فسحة لتنظيم المواجهة المرتقبة بعد ظهر اليوم في مجلس النواب بين سعد الحريري وجبران باسيل قد لا تحمل ما يبتغيه الرجل، صانع التسويات. هو رمى الى الفسحة لترتيب مخرج يقوم على أن يقرن مجلس النواب أي مقاربة للرسالة الرئاسية بمبادرة لجمع الكتل في طاولة حوار في مجلس النواب على غرار حوارات العام 2006، يكون مرتكزها الخروج من الأزمة الحكومية. لكن ظرف الـ2006 الذي قاد إلى حوارات ساحة النجمة لا يصلح راهنا، أقله لأن أي حوار – مطلوب بالتأكيد – مكانه الوحيد والأصلح القصر الجمهوري.
في اتصال التهنئة بالفطر، أبلغ ميشال عون رئيس المجلس أنه في صدد إرسال كتاب رئاسي الى البرلمان بواسطته، متوسلا الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور. تمنى بري عليه صرف النظر عن الكتاب، لكن رئيس الجمهورية الذي ظل يصبر طويلا حتى عجز الصبر عنه، لم يعد في مستطاعه السكوت أكثر أو تجاوز ما يقوم به الرئيس المكلف من تأجيل ممنهج للتشكيل، مستظلا ذريعة تلو أخرى.
أظهرت محطات عدة أن الحريري استند في إرجائه المتعمّد للولادة الحكومية، الى تسويق أمرين اثنين في عدد من عواصم القرار، بدءا من القاهرة التي لا تزال تتبناه وحدها دون غيرها ممن تبيّن لها حقيقة الأزمة الحكومية:
1- ثانوي يقوم على أن عون هو من يعطّل، واجهة لـ«حزب الله»، من خلال تمسكّه بالثلث المعطّل. ويبرر الحريري ما يذهب اليه بقوله لمن يلتقي من مسؤولين عرب وأجانب ان رئيس الجمهورية بإصراره على أن يسمّي المسيحيون وزراءهم، على غرار السنة والشيعة والدروز، إنما يريد فعليا وضع يده على القرار التعطيلي في الحكومة.
2- رئيسي، مربط الفرس ومكمن الخطورة، يقوم على وصم عون بالرفضية لاتفاق الطائف ولكل ما يمتّ الى الطائف بصلة. هو يرغب تحديدا في السطو على الحقوق المكرّسة في الدستور لأهل السنة والجماعة، وأنه يرغب ويعمل بكل تصميم للعودة الى النظام الرئاسي حين كانت المارونية السياسية هي الارتكاز والملاذ، هذا النظام الذي سبق أن غلّب مصلحة تلك المارونية، وكرّس هيمنتها 50 عاما على الدولة ومؤسساتها.
سمع رئيس الجمهورية هذا الكلام من مساعد الأمين العام لجامعة الدول العربية حسام زكي، تماما كما تناقله مسؤولون فرنسيون وأميركيون وروس وفاتيكانيون، فأدرك تلقائيا أن سفرات الحريري وسياحته الخارجية كانت بهدف تسويق ما لا يستوي والحقيقة، وما لا يليق بموقع رئاسة الحكومة.
رد رئيس الجمهورية بأمرين:
– أولهما أنه أعلن في 6 بيانات أنه لا يريد الثلث المعطّل ولا يرغب به، والثلث التعطيلي هنا أصلا لا يصلح أن يكون معطلا في حكومة إختصاصيين يفترض أن يكونوا من خارج سياق التجاذب والتأثير السياسي والحزبي. أما تأكيده أهمية أن يسمي المسيحيون وزراءهم على غرار الشركاء الآخرين، فلا يعني إطلاقا أنه يرغب في احتكار التسمية، بل ذلك يجب أن يتحقق تحت سقف عدم حصوله على الثلث المعطّل، بصرف النظر عن أحقية رئاسة الجمهورية بالحصول عليه وفق ما رشح من مداولات الطائف (يقول جورج سعادة في كتابه «قصتي مع الطائف»، صفحة 165: «على رئيس الجمهورية ان لا يوافق على اية تشكيلة حكومية اذا لم يكن مطمئنا الى اعضائها، او على الاقل الى اكثر من ثلث الاعضاء، ليؤمن الى جانبه ما تعارفنا على تسميته بالثلث المعطل، الذي له اكثر من تأثير في مجريات الامور داخل مجلس الوزراء»).
– وثانيهما، أنه أقسم يوم توليته على احترام الدستور. وهو كان واضحا في إبلاغ حسام زكي في 8 نيسان التزام لبنان «تطبيق اتفاق الطائف الذي انبثق منه الدستور»، وأن «الكلام انّ الاتفاق مهدّد لا يستند الى الواقع وتروّجه جهات معروفة ومعنية بتأليف الحكومة».
لكل ما سبق، أراد رئيس الجمهورية توجيه رسالته لكي يضع مجلس النواب أمام مسؤولية تاريخية، ليس رغبة في إقصاء الحريري أو تأجيج صراع طائفي كما أوحى تيار « المستقبل» وحلفاء له في اليومين الأخيرين، بل في جعل التشكيل أولوية مطلقة، مع الحريري إذا رغب وأظهر الجدية اللازمة، ومن دونه في حال أكمل التلكؤ أو فضّل الانسحاب. وفي كلا الحالين، مسؤولية مجلس النواب لا تعلى عليها مسؤولية.