Site icon IMLebanon

البخاري طالب وهبي بـ”التروي” ورفاقه لاحقوه بـ”التنحي”!

لا تتسع صفحات المواقع الالكترونية والمكتوبة لسلسلة الروايات التي رافقت مواقف وزير الخارجية شربل وهبة من دول الخليج منذ مقابلته المتلفزة ليل الإثنين الماضي. حتى ان بعض العدة تم تجهيزه منذ تسجيلها صباح الأحد الماضي. وإن دفعه حسه بالمسؤولية ونيته بتجنيب لبنان تداعيات ما حصل وافتدائه لمنظومة سياسية عبثت بعلاقات لبنان الدولية والخليجية خصوصا الى حدود المقاطعة التي يشهد لبنان نماذج منها. لكن المفارقة الكبرى ظهرت في دعوته من قبل السفير السعودي وليد البخاري للتروي في طلب اعفائه من مهامه الديبلوماسية فيما كان “رفاقه” يطعنون به وينادونه بـ “التنحي”؟

من الواضح ان التطورات السياسية والحكومية لم تطو بعد مفاعيل الحملة التي استهدفت وهبه ومعها موجة “الغضب” الخليجي من “زلة اللسان” التي عجز عن ضبطها في لحظة خرج فيها عن “ديبلوماسيته المعهودة” تجاه الإهانة التي طالت رئيس الجمهورية ميشال عون لم تكن إبنة ساعتها. فهي في شكلها ومضمونها وتوقيتها عبرت بشكل واضح عن حجم الإستياء الشعبي في دول الخليج العربي من توجهات أركان السلطة في لبنان والمتحكمين بالسياسة الخارجية منذ سنوات عدة ولا سيما تلك التي رافقت بدء الحرب في سوريا والتمايز اللبناني عن مواقف المجموعة العربية. ولذلك فهي لا تقف عند بدء ولاية عون وتحكم حلفائه ولا سيما “حزب الله” بالأكثريتين النيابية والحكومية.

ويبدو جليا أن العقل الرسمي الخليجي المسؤول ما زال يمارس عملية “ضبط النفس” تجاه تصرفات ومواقف المسؤولين اللبنانيين، وقد ظهر ذلك في اكثر من مناسبة اقليمية ودولية وعربية شهدتها السنوات الماضية التي اعقبت سقوط سياسة النأي بالنفس و”إعلان بعبدا” بشكل خاص. فقد سجل اركان السلطة اكثر من موقف يناهض التوجهات الخليجية. فاجتماعات وزراء الخارجية العرب تشهد على الكثير من المواجهات بين وزير الخارجية جبران باسيل ونظرائه العرب بحيث لم يسانده في مناسبات محدودة سوى وزيري خارجية الجزائر والعراق كما ان بعض مواقف رئيس الجمهورية في دفاعه عن سلاح المقاومة لم تنس بعد.

وتأسيسا على ما تقدم، يبدو ان عملية تهريب “الرمان المخدر” وما رافقها شكلت نقطة تغيير في الدوائر السياسية الخليجية عبرت عنها الرياض ومجموعة دول مجلس التعاون عن أسلوب جديد في التعاطي مع لبنان الرسمي بعدما ساوته ديبلوماسيتهم بقادة محور الممانعة ووضعته في دائرة الاستهداف. فالعلاقات الشخصية التي بناها بعض من هم من اركان السلطة لم تعد لها اي معايير محترمة في دوائر الخليج العربي والسعودية والامارات منها بنوع خاص بعدما شملت العقوبات غير المعلنة احد أبرز حلفائهم في بيروت الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري المتهم بتغطية سياسات “حزب الله” والتيار الوطني الحر وعجزه عن تنفيذ ما تعهد به ومعه اطراف “التسوية السياسية” التي جاءت بالرئيس عون الى قصر بعبدا بنقله من محور الممانعة الى المنطقة الوسطى على الأقل.

كل هذه المعطيات تدل الى ان هناك عملية انتقالية في الديبلوماسية الخليجية تتجه الى مزيد من التصلب والتشدد مع لبنان. فكل المحاولات التي قام بها لبنان لتدارك مخاطر عملية “الرمان المخدر” تهاوت واحدة بعد أخرى إلى ان جاءت “هفوة” وهبي لتفجر الغضب القائم وتطلق نسبة منه إلى العلن. وأعلنت الحرب الديبلوماسية على أهل السلطة في لبنان الى درجة اعتقد البعض فيها ان سيناريو تعاطي مجموعة الدول الخليجية الاربعة المحيطة بقطر قبل ثلاث سنوات قد يكون السيناريو المستنسخ. فقد كشف احد الديبلوماسيين في الساعات الماضية ان هناك من فكر فعلا بمعاقبة اللبنانيين في الخليج جراء ما جاءت به ردات الفعل على زلة لسان المؤتمن على سياسة لبنان الخارجية المفقودة أصلا في لبنان.

والى مجموعة الملاحظات هذه، والتي لم يكن هناك بد من إلقاء الضوء عليها، فقد ظهر جليا ان الوزير وهبه وقع ضحية هذه الاجواء التي تسود المجتمع السعودي والتي عبر عنها الضيف السعودي الذي شارك في الحلقة عينها من دون ان يكون وهبة على علم مسبق بوجوده قبل دخوله الاستوديو صباح يوم الأحد الماضي. فلم يحتمل ان يسمع توصيفه المهين لرئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر عندما وصفهما بـ “الثنائي المرح”. وفيما كان المطلوب ان يكون وزير الخارجية يعرف مدى الاحتقان في الأوساط السعودية قبل ان يغوص في النقاش معه، فقد أثاره عندما استخدم بعض العبارات التي تشعل السعوديين كـ “جريمة اغتيال الخاشقجي” وصولا الى اتهامه “البدو” بالتجني على رئيس الجمهورية.

لا يخفي العارفون عند التداول بكل السيناريوهات التي طرحت من اجل معالجة الازمة الديبلوماسية التي لم تقف عند حدود العلاقة مع الرياض بعدما امتدت سلبياتها كالنار في الهشيم الى باقي العواصم الخليجية بان وهبة قرر ان يتحمل المسؤولية كاملة ووحيدا رغم انه لم يأت بجديد. فباستثناء بعض العبارات التي شكلت زلة لسانه، فما سجله وهبة من مواقف استنسخه من مواقف رئيس الجمهورية وأقطاب التيار الوطني الحر وحلفائه من اهل السلطة ولم يحاسبهم احد من قبل. ولذلك استبق منفردا النتائج التي ترتبت على التبرؤ منه من قبل كل من سماه للمهمة خلفا للوزير ناصيف حتي.

وفي الوقت الذي سمع فيه وهبي مواقف قادة وأركان الاحزاب والشخصيات المعارضة لاركان السلطة وانتقاداتهم اللاذعة والتي لها ما يبررها، فقد فوجئت الأوساط الديبلوماسية والسياسية ببيانات التبرؤ منه انطلاقا من بعبدا حيث كان يشغل منصب المستشار الديبلوماسي للرئيس ومعها ميرنا الشالوحي وما بينهما من باقي الاصدقاء فقد ظهر واضحا أنه ضحية توجهاتهم العامة قبل ان يكون ضحية ما حصل الاثنين الماضي. فباستثناء “الصمت المفهوم” لـ “حزب الله” الذي وصفه بـ “بطاقة التأمين على لبنان” لم يقف الى جانبه أحد.

وفي ظل هذه السيناريوهات المتداولة فقد كشف عن اتصال هاتفي اجراه وهبه عشية طلب تنحيه عن مهاماه الديبلوماسية بـ “صديقه” السفير السعودي في بيروت وليد البخاري للتداول بتداعيات الازمة. وبعد ان اطلعه آسفا على ما جرى وما يمكن ان يقدم عليه منفردا تبادل الرجلان عبارات الود والصداقة. وبعدما وعد البخاري بمساءلة الضيف السعودي باتهاماته لرئيس الجمهورية، طلب البخاري منه التراجع عن قراره بالتنحي وطلب اعفائه من مهامه الوزارية متكئا على “حكمة رئيس الجمهورية” في ما يمكن القيام به. لكن وهبة أصر على موقفه “مفتديا” ما يمكن ان تؤدي اليه الازمة الديبلوماسية بين لبنان والرياض ودول الخليج. فهو لم يكن متوقعا ان تطول فترة تصريف الأعمال ليخرج من الوزارة المدمرة في ظل الانقسامات حول السياسة الخارجية وانقياده الى مواقف لا ترضي فكره ولا عقله ولا ما يتمتع به من حس ديبلوماسي.