كتب فادي عبود في “الجمهورية”:
ينتظر كثيرون اليوم مبادرات دولية من الدول الغربية الصديقة لمساعدتنا في الخروج من أزمتنتا المتصاعدة، خصوصاً انّ هذه الدول حضّت اللبنانيين حكومة وشعباً على السير في طريق الاصلاح ومحاسبة الفاسدين.
نستغرب اليوم لماذا لا تقوم الدول المهتمة بمصلحة لبنان بمساعدتنا بجدية على كشف الفاسدين لأنّ كل المخابرات الاجنبية موجودة على ارضنا، وبالتالي فإنّ كل فاسد معروف جيداً لدى هذه الدول، فهي تعرف سر كل صفقة وكل مشروع وكل حسابات تم تحويلها الى الخارج، وكل ثروة تم جمعها من المال العام، وكل الاختلاسات والسرقات، هذه الدول تعرف الفاسدين بالإسم فرداً فرداً.
فكيف يطلبون منا تقديم معلومات عن اسباب الازمة الاقتصادية وهم يعرفون ذلك؟ وهم يملكون كل المعلومات، فهم يعرفون مصدر ومصير كل دولار يخرج من لبنان ويدخل اليه، ويستطيعون وضع أيديهم على الاموال المنهوبة، فاذا كانوا يودون مساعدتنا حقيقة فليعطونا هذه المعلومات التي تكشف الفاسدين وحساباتهم، فكل الحسابات بالدولار الاميركي مرتبطة بالنظام المصرفي الاميركي، وبالتالي تستطيع الاطلاع على كل تحويل في الحسابات بالدولار الاميركي، والشيء نفسه بالنسبة الى الحسابات باليورو. هذا ما يمكّنهم من كشف امور تتعلق بالارهاب او تمويله، وبالتالي يملكون القدرة على كشف اي تحويلات مرتبطة بالفساد.
انّ مساعدة الشعب اللبناني اليوم تكون بإعطائه المعلومات والحقائق ليتمكن من تحقيق اصلاحات وكشف الفاسدين والمسؤولين عن انهيار الاقتصاد اللبناني. فنحتاج الى تشخيص المرض قبل المعالجة، فطالبنا مراراً بنشر كل تقارير التدقيق لشركات «ديلويت اند توش» و»ارنست اند يون» التي قامت على مدى 26 عاماً بتدقيق حسابات مصرف لبنان المركزي.
تملك هذه الدول المعلومات كلها التي ستساعدنا في تشخيص المرض، فلماذا تمنعها عنّا حتى اليوم وتطالبنا في الوقت نفسه بها وتحضّنا على الاصلاح، خصوصاً اننا نقوم في لبنان بإلقاء الاتهامات المتبادلة، ولكن لا شيء مؤكداً، فيتم التشكيك في المعلومات، ولكن ان قامت دولة كبرى بعرض هذه المعلومات وفضحها وكشف الاسماء التي لديها حسابات وتحويلات غير منطقية، لن يشكك احد وتنكشف الامور ببساطة.
ويبقى انّ اكبر مساعدة تقدمها هذه الدول للبنان تكون في دعمنا لتطبيق قانون يحمينا من اي فساد، فنحن نحتاج الى حماية من الفساد في المستقبل لنتمكن من بناء وطن منتج وفاعل وعدم تكرار المأساة التي حصلت، ولتأمين الحماية نحتاج الى تطبيق الشفافية الكاملة، هناك قانون «الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة» الذي تقدم به تكتل «لبنان القوي» الى البرلمان اللبناني، ولكن لم يأت أحد من البعثات الدولية على ذكره او التنويه به أو المطالبة به شرطاً لأي علاقات مستقبلية.
تستطيع هذه الدول الضغط على كل مَن تمون عليه من السياسيين للحرص على إقرار هذا القانون الاساسي وتنفيذه لفتح صفحة جديدة مبنية على الشفافية والثقة.
وأتوجّه الى اللبنانيين بالقول اننا لم نكن لنحتاج الى استجداء المعلومات والبحث عن الحقيقة والتوسّل لنعرف الارقام والخفايا، لو كان لدينا قانون للشفافية لكان كل شيء واضحاً ومعلوماً، ولم يكن ليتم خداعنا بهذه الطريقة الوقحة.
انّ قانون الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة هو القانون الذي يؤمن الحماية للجميع، ويضبط الرقابة على المال العام ويجعل المواطن مراقباً مباشراً، فالانتخابات قريبة وهذه فرصتنا الحقيقية ليصبح قانون الشفافية هو معيار خياراتنا.