كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
تتفاقم أزمة المحروقات وشحّ مادتي المازوت والبنزين في محافظة بعلبك ـ الهرمل يوماً بعد آخر، وتعيق معها تحركات المواطنين، في ظل غياب البدائل وصمت المعنيين عن إحتكار، وطمع بعض أصحاب محطات الوقود وإذلال المواطنين أمام خراطيم محطاتهم وانتظارهم ساعات لملء خزّانات سياراتهم.
تعيش مدينة بعلبك وسائر البلدات البقاعية منذ أشهر أزمة محروقات خلافاً لباقي المحافظات، وبالرغم من أن المأساة والمعاناة ليست جديدة إلا أنها إشتدّت في الآونة الأخيرة مع إقفال معظم المحطات ماكيناتها أمام المواطنين وتسييجها بشرائط وبلوكات إسمنتية للدلالة على إقفالها، فيما تعمد أخرى إلى فتح أبوابها لساعات معينة وفي أوقات محدّدة لبيع البنزين وِفق التسعيرة الرسمية، ما يدفع بالمواطنين إلى الإصطفاف بطوابير منذ ساعات الصباح لإنتظار دورهم، وما بينها محطات تبيع وِفق تسعيرتها الخاصة التي تصل الى الـ 60 الفاً مع ألف “منيّة وجميلة”.
وكأنّ بعلبك ـ الهرمل خارج حدود الوطن، لا مسؤولين ولا نواباً يحملون همّها ويحاربون من أجل حصولها على مستحقّاتها من المحروقات والمواد الغذائية المدعومة يوم كان الدعم لا يزال ساري المفعول، ولا يتابعون مع الوزارات المعنية والإدارات كمصلحة حماية المستهلك مسألة الكشف على التلاعب في الأسعار وتخزين المواد على إختلافها لبيعها بأسعار عالية بعد رفع الدعم رسمياً، ليعيش المواطن تحت رحمة المافيات التي تتحكّم بمصير الناس وحياتهم، ناهيك عن إستمرار عمليات التهريب إلى سوريا والتي لم تتوقف يوماً بالرغم من كل الإجراءات والتصريحات، فالفائدة المادية والربح الوفير اللذان يحقّقه التهريب لأصحاب المحطات يدفعهم إلى تفضيل السوريين ومدّهم بما يلزم من محروقات على أبناء جلدتهم اللبنانيين.
منذ الساعة السادسة صباحاً تبدأ طوابير المواطنين بالإصطفاف أمام المحطات التي تبيع في بعلبك وِفق التسعيرة الرسمية والتي لا يتعدّى عددها الثلاث، ولأن “الضربة لمن سبق” وِفق المثل البعلبكي، يجتهد البعلبكيون للوصول إلى أمام المحطة وحجز الدور، فالفرصة لن تتكرّر. ولأن أصحاب المحطات تعوّدوا على إذلال الناس وإبقائهم على لائحة الإنتظار حتى الساعة التاسعة، يترك العديد منهم سيارته ويترجّل منها ليشرب فنجان قهوة ويفتح حديثاً مع منتظر آخر، يحاكون هموم بعضهم، يشرحون الذلّ الذي يعيشونه ويعلنون رفضهم لكلّ ما يجري وضرورة إشعال الثورة بوجه الطبقة الحاكمة. وما إن يرفع عامل المحطة الخرطوم إيذاناً ببدء التعبئة يعود كل واحد منهم إلى سيارته منتظراً دوره، يملأ خزان سيارته بما إستطاع إليه سبيلا، ويغادر مزهواً بإنتصاره لأنه إشترى وِفق التسعيرة الرسمية والتي هي حقّه، وينسى الحديث الذي جرى مع آخرين، ليعاود الكرّة كلما فرغ خزّان سيارته.
أزمة المحروقات التي أرخت بظلالها على مجريات الحياة اليومية في بعلبك والجوار دفعت بالعديد من المدارس التي بدأت دوامها المدمج يوم الإثنين إلى العودة للـ”أونلاين” بعد تسجيل غياب طلاب واساتذة لعدم قدرتهم على تعبئة البنزين، فأصحاب الباصات التي تقل التلاميذ إلى المدارس يقعون بين حيرة رفع رسم النقل للطالب إلى 150 ألف ليرة وهو أمر مستحيل لا يستطيع الأهالي تحمله في ظل الأزمة الإقتصادية، وبين تأمين المحروقات المفقودة، ما دفع العديد منهم إلى توقيف باصاتهم وترك خيار إيصال الأولاد للأهل. والمضحك المبكي هو ما حدث مع أحد الأساتذة حيث إتصلت به مديرة الثانوية لتسأله عن تأخره بعدما بدأت حصّته ليجيبها: “أنا في صفّ البنزين عندما أنتهي ألتحق بصفّ المدرسة”.
يشير حسن ك. الأب لثلاثة أولاد في حديث لـ”نداء الوطن” الى أنه إمتنع عن إرسال أولاده إلى المدرسة لعدم توفر مادة البنزين، فهو قصد العديد من المحطات من دون أن ينجح بملء سيارته فجميعها مقفلة، مضيفاً بأنه لن يقبل على نفسه أن ينتظر لساعات في صفوف الذل وطوابير الإهانة ويتحكّم به أصحاب المحطات الذين فقدوا المسؤولية تجاه أبناء وطنهم وأصبح جلّ همهم ملء جيوبهم، واستطرد بأن “تكلفة ايجار التاكسي لإيصال أولاده يومياً 30 ألفاً والأفضل أن نشتري بها طعاماً وشراباً، أما المدرسة فـ”لاحقين عليها” وسأبقي أولادي في صفوفهم العام القادم من دون ترفيعهم، فهم لم يحصّلوا ربع المنهج الدراسي الحالي، فكيف يتعاملون مع السنة القادمة، والأفضل لهم أن يعيدوا صفهم الحالي”.