كتبت أنديرا مطر في القبس:
دخل لبنان انتكاسة سياسية وأزمة خطيرة تنذر باستمرار الفراغ الحكومي طويلاً في ظل خلاف ظاهره دستوري وخلفيته سياسية وطائفية بامتياز، يستدعي حلها إما تعديلاً دستورياً وهو متعذر حالياً وإما تنازلَ أحد الطرفين، وهو أمر لن يحدث في المدى المنظور إلا اذا تبلورت قوة ضغط أكبر من المبادرة الفرنسية والعقوبات الأميركية.
فالمنازلة السياسية المستمرة منذ أشهر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من جهة، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري من جهة أخرى، انفجرت السبت في المجلس النيابي، حيث تحولت مناقشة الرسالة التي وجهها عون الى المجلس، ويحثه فيها على اتخاذ موقف من تعطيل تشكيل الحكومة، الى مسرح لتبادل الاتهامات، في وقت نأت الكتل النيابية الأخرى عن الاصطفاف مع أي من الفريقين.
كلا الفريقين أعدا مطالعة مفصلة قائمة على قراءة متباينة للدستور، توحي بأن ازمة تشكيل الحكومة قد تتدحرج الى ما هو أخطر في حال لم يفض هذا الخلاف الى تسوية بين الطرفين.
ويمكن القول إن الجلسة انتهت من دون مفاعيل دستورية، وبإصدار توصية على طريقة «لا غالب ولا مغلوب»، لكن السجال السياسي فتح على مداه بعد الكلمة النارية للحريري التي حمل فيها عون مسؤولية التعطيل، وبالتالي فإن الفريق الرئاسي سيبدأ البحث بخطوات تصعيدية للرد قد تكون احداها قرار الاستقالة من المجلس النيابي.
وبعكس الهدوء الذي طبع كلمة جبران باسيل كانت كلمة الحريري حاسمة، استعرض فيها محطات التعطيل الذي اتبعه الفريق الرئاسي منذ بداية العهد. وذكرت بالخلاف المستحكم الذي كان قائما بين الرئيس اميل لحود ورئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري، بل تتجاوزه بأشواط.
لاءات ثلاث يمكن استخلاصها من كلمة الحريري: لا عودة الى التسويات الماضية. لا مزيد من التنازلات ولا اعتذار عن التكليف.
وكلمة الحريري التي فاجأت الأوساط السياسية كلها، كان لها وقع مدوٍ على نواب التيار، علما بأن بري فور انتهاء الجلسة باشر بعقد اجتماعات ثنائية مع كل من باسيل والحريري بهدف تقريب وجهات النظر. وأشارت مصادر إعلامية الى أن بري كان اقترح عقد جلسة حوار لرؤساء الكتل النيابية، يحضرها الحريري وباسيل، لتكون لقاء غير مباشر بين الرجلين غير أن الطرفين رفضا الاقتراح.
وكان الحريري استهل كلمته بالقول: «نحن أمام رئيس يقول للنواب سميتم رئيساً لتشكيل الحكومة، وأنا لا أريده تفضلوا خلصوني منه». معتبراً أن عون يمتلك «باعاً طويلة في التعطيل»، مؤكداً أنه «لن يشكل الحكومة كما يريدها فريق عون، ولا كما يريدها أي فريق سياسي بعينه».
وأكد الحريري موقفه من «تشكيل حكومة اختصاصيين غير حزبيين، والتي باتت تشكل شرطاً مسبقاً لأي دعم خارجي».
وتوجه الحريري بدعوة «صادقة» الى عون وفريقه السياسي، «أن يكملوا في هذه السنة الاخيرة المتبقية من عهده عن محاربة طواحين الهواء، والخروج من الأزقة الضيقة».
ليس «باش كاتب»
من جانبه، شدد باسيل بأن هدف رسالة عون هو حث الحريري على الشكيل وليس سحب التكليف منه «لأسباب عدة منها عدم توافر أكثرية نيابية مؤيدة لهذا الطرح». مؤكداً شراكة رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومة «فهو ليس موثقاً ولا باش كاتب». داعياً الى التفكير باقتراح تعديل الدستور ليكون بمنزلة مخرج للأزمة التي، مضيفاً أن حل المجلس النيابي قد يكون هذه الخطوة الدستورية الأخيرة لحل أزمة التكليف، على الرغم من أن الانتخابات المبكرة لن تغير شيئاً.
وكان باسيل قد أشار في بداية كلمته إلى أنه على مجلس النواب أن يقر ترشيد الدعم لتسهيل التشكيل، معلناً جهوزيته «للمهمة الانتحارية هذه»، ليرد بري عليه: مطلوب منك عملية انتحارية من نوع آخر.
مواقف الكتل النيابية
أما الكتل النيابية الأخرى فقد أجمعت بمعظمها على ضرورة الوصول إلى حكومة تنفذ إصلاحات وتنتشل البلد من الانهيار، في حين دعا البعض الآخر إلى اجراء انتخابات مبكرة، كما كان هناك إجماع على عدم توافر فرصة حالياً لمناقشة تعديلات دستورية.
وبدا حزب الله متمسكاً بالحريري وبحرصه على العلاقة برئيس الجمهورية في آن. ودعا رئيس الكتلة النائب محمد رعد إلى اتفاق بالحد الأدنى لتشكيل حكومة ولتبادل التنازلات وقال: «ينبغي أن يكون مفهوماً أن كلفة عدم التفاهم أكبر مما نقدّر».
بدوره، شدد النائب هادي أبو الحسن على موقف الحزب الاشتراكي الداعي إلى تسوية قائمة على طرح كان زعيم الحزب وليد جنبلاط قدمه كمخرج للأزمة، ويقوم على صيغة الـ24 وزيراً بلا ثلث معطّل.
وفي ختام الجلسة، تلا رئيس مجلس النواب نبيه بري توصية المجلس بشأن رسالة عون، وقد أكدت على «ضرورة المضي قدماً من قبل الرئيس المكلف للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية».
مستشار رئاسي سابق أشار في تصريح لـ القبس إلى أن ما جرى في البرلمان يؤكد أننا أمام أزمة نظام حقيقية. فالكباش الحاصل عنوانه ـــ ظاهرياً ــ دستوري ولكن جوهره ميثاقي ويتعلق بعلاقات الطوائف ببعضها، كما بآلية تشكيل السلطة التنفيذية. وهذا موضوع قديم يعود لنشأة لبنان، وأدى في محطات كثيرة الى صراعات سياسية وحروب.
وشدد المستشار على أن رسالة عون حق دستوري، إنما توقيتها السياسي خطأ ومفاعيلها الأولى زيادة التوترات والعصبيات الطائفية.
وأضاف: كل هذا الكباش لن يؤدي الى تشكيل حكومة بل العكس سيؤكد حاجة لبنان الى تسوية أخرى غير اتفاق الطائف.
في السياق، أكد مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون الشرق الاوسط ديفيد شنكر أن «الولايات المتحدة تقدم المساعدات فقط إلى الجيش اللبناني، لكن لا أحد يعتبر أن الحكومة اللبنانية يمكن أن نثق بها لتوزيع المساعدات الدولية بطريقة نزيهة وغير فاسدة وشفافة». ورأى شينكر أنه على الشعب اللبناني أن يقرر، لافتاً إلى أن أزمة لبنان لا تتعلق فقط بإيران وبحزب الله، فهناك أيضاً التيار الوطني الحر والرئيس ميشال عون والنائب جبران باسيل صهر الرئيس، وهما لا يريدان حكومة من التكنوقراط تبدأ بالإصلاحات؛ لأن ذلك سيقوض موقع حزب الله، وكذلك بعض الأطماع السياسية للسياسيين اللبنانيين”.